النفط يعد الثروة الرئيسة للبلد وقد يكون المردود المالي الوحيد للاقتصاد العراقي ،والمعروف ان جميع دول العالم تقوم باستلام الاموال الناتجة عن الصادرات وتدرجها ضمن الموازنة السنوية للدولة لتسديد المبالغ المطلوبة والمستحقة لجميع المحافظات،وكلنا نتذكر انه في سبعينيات القرن الماضي عندما صدر قرار تأميم النفط كان الشعار المرفوع هو نفط الشعب للشعب وليس حكراً على هذه المحافظة او تلك، وفي دستورنا الجديد اشارت المادة 104ثانيا الى التحقق من الاستخدام الأمثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها،والمادة 109اشارت الى ان النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات،والمادة 110اولا تقطع الشك باليقين لتوضح بصورة جلية ان الثروة النفطية هي ملك الجميع حيث تقول(تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد.

 

القرار إذعان لمطالب المحافظات

لكن مجلس الوزراء اتخذ قراراً يتيح تخصيص خمسة دولارات بدلا عن دولار واحد للمحافظة المنتجة للنفط في مقابل كل برميل مصدر،علما ان مسودة الموازنة التي لم يصادق عليها البرلمان حتى الآن لم تتضمن تلك المبالغ لكن جاء قرار الحكومة إذعاناً لمطالب المحافظات المنتجة للنفط مما سيسبب عجزا كبيرا بالموازنة ،وما يؤكد ذلك تصريحات صحفية سابقة حيث اعلنت وزارة المالية تخصيص الخمسة دولارات من كل برميل للمحافظات المنتجة للنفط في الموازنة الاتحادية للعام الحالي،مستدركة عدم امكانية دفع المبلغ دفعة واحدة. 

وقال وزير المالية وكالة صفاء الدين الصافي في مؤتمر "صحفي" ان "قانوناً صدر يضمن حصة المحافظات المنتجة للنفط والغاز وهو قانون نافذ وحق لها،مبينا انه "نظراً للضغط والعجز في الموازنة للعام الحالي تم تخصيص دولار واحد فقط للمحافظات المنتجة للنفط ضمن مشروع البترودولار على ان تبقى بذمة الحكومة الاتحادية اربعة دولارات وتعطيها كسلف في حال حاجة الحكومات المحلية للأموال، مشيرا الى ان "عجز الموازنة للعام الحالي بلغ (23) تريليون دينار".

خلق تفاوتاً بين المحافظات

العديد من المواطنين ومن شرائح مختلفة وفي تصريحات للمدى تباينت آراؤهم بشأن القرار وعدَّه البعض بالقرار المجحف بشأن المحافظات غير المنتجة للنفط،والبعض الآخر عدَّه بالقرار المنصف لكون تلك المحافظات تتحمل أضرارا بيئية كبيرة فضلا عن استقطاع اجزاء كبيرة من أراضيها كحقول وآبار وانابيب تصدير ومعامل فيما وصف خبراء الاقتصاد بأنه قرار عادل لكنه جاء متأخرا لكون ادارة اموال الدولة تجرى بصورة غير رشيدة!

الطبيب علي صالح يرى ان القرار يجب ان يشمل جميع المحافظات وذلك حسب ما ورد في مواد الدستور الذي تؤكد بأن النفط والغاز هما ملك لجميع ابناء الشعب العراقي في جميع الاقاليم والمحافظات،مبينا انه من غير المعقول ان أُميز بين محافظة وأخرى بالامور وبالتالي والكلام لصالح سأخلق تفاوتا كبيرا بين المحافظات في كل شيء وستتولد لدينا فروقات كبيرة حتى في الجانب المعيشي للمواطن،ناهيك عن التفاوت في العمران والخدمات وعمليات البناء بحسب قول صالح.

المبلغ بدل خطورة

سليم نوري موظف في وزارة النفط بين للمدى ان القرار جاء منصفا للمحافظات المنتجة لكونها تتحمل مخاطر كبيرة يجب ان يعرفها الجميع ومنها على سبيل المثال لا الحصر ان هناك آثاراً بيئية كبيرة تهدد سكان تلك المدن نتيجة للغازات المميتة التي تنبعث من الآبار والمعامل المنتجة،وما يحصل من ارتفاع في عدد الذين يعانون الامراض السرطانية في المحافظات الجنوبية إلا دليل على ذلك بحسب قول نوري الذي وصف الخمسة دولارات بمثابة بدل خطورة لسكان تلك المدن،مضيفا وهذا لا يعني تجاهل وإغفال حقوق المواطنين بالمحافظات غير المنتجة،ويجب ان تكون لهم حصة ضمن الموازنة لكون النفط والغاز هو ملك لجميع مكونات الشعب العراقي،ومن الضروري ان تسهم هذه الثروة في انعاش ورفاه جميع المواطنين من دون إجحاف لحقوق المواطنين في جميع المدن بحسب قول نوري.

أُتخذ بعجالة ومن غير استشارة

حسين جمعة مدرس إعدادية يرى ان القرار جاء كنتيجة حتمية للتهديد الذي اطلقته المحافظات المنتجة واستجاب له مجلس الوزراء بعد ان رفض المجلس النيابي المصادقة على الموازنة من دون ادراج تلك النسبة المقررة ، من الواضح أن ضغوطات المحافظات المنتجة للنفط وصلت أوجها، ومن الصعب وقفها خصوصاً أن هناك انتخابات برلمانية مقبلة في شهر نيسان، والجميع يسعى لكسب الاصوات من خلال قرارات معينة غايتها الكسب الانتخابي كما يرى جمعة ،مؤكدا ان القرار يجب ان يشمل جميع المحافظات من غير استثناء للقضاء على نظرية المؤامرة التي يراهن عليها البعض ،وارساء مبدأ التوازن والوحدة الوطنية من خلال اشعار الجميع بحقهم بثروات البلد وبذلك نلغي فكرة التهميش عند البعض،ويرى حسين ان القرارات التي تصدرها الحكومة في اغلبها تأتي بعجالة ومن دون الرجوع الى خبراء ذوي اختصاص وانما تفرضها اجندات البقاء في السلطة مع اقتراب موعد الانتخابات بحسب وصف جمعة.

تقوية نفوذ المحافظات النفطية

أمير ناهي طالب ماجستير تاريخ اكد للمدى ان زيادة حصة المحافظات النفطية الى خمسة دولارات سيسهم في تقوية نفوذ تلك المحافظات فضلا عن الزيادة التي ستحصل فيها على الصلاحيات إذ إن دورها كمناطق منتجة سيعني أنها ستمتلك صلاحيات قانونية للمشاركة في اتخاذ القرارات النفطية الحاسمة والإمكانات المادية لتطوير الصناعة النفطية في أرجاء المحافظة، إضافة إلى تخصيص الأموال اللازمة للإنفاق من دون العودة إلى السلطات المركزية في بغداد في كاتخاذ القرارات،ولكن السؤال الكبير الذي تفرضه المستجدات الحالية كما يقول ناهي وهل تستطيع السلطات المحلية التعامل بكفاءة مع الشركات النفطية الكبرى ذات الكفاءات العالية؟ وهل هناك شفافية كافية لدى الأطراف لردع الفساد الذي سيحصل مع الزيادة الكبيرة في العائدات؟ وعد ناهي القرار بأنه استغل من قبل العديد من الكتل السياسية كدعاية انتخابية ،وخاصة التي سارعت الى اعلان رفضها للموازنة ما لم تدرج الخمسة دولارات للمحافظات المنتجة، وتمنى ناهي ان تشمل جميع المحافظات بهذا القرار لخلق التوازن في بناء جميع المدن العراقية.