خلال دورتين وولايتين لم تتجاوزا ثماني سنوات فقط، أجهز رئيس مجلس الوزراء، زعيم حزب الدعوة الإسلامية، رئيس دولة القانون، القائد العام للقوات المسلحة، على استقلالية السلطات الثلاث، وجرّدها عملياً مما أوكله لها الدستور من مهام وصلاحيات، حتى ان مجلس النواب، لم تعد له مهمة تشريعية سوى البت "شكلياً" بما يتحول اليه من قوانين وقرارات من مجلس الوزراء.
وفي وقت مبكر عمد الى تشويه السلطة الرابعة، بوضعها في السلة التي خلفها عدي صدام حسين، وتمكن خلال سنوات حكمه من تدمير أركانها وإفراغها من مهمتها المقدسة، كسلطة رقابية شعبية مدافعة عن الحريات والحقوق، ومنفتحة على رعاية القضايا الحيوية للمواطنين، وحسن إدارة شؤونهم ودولتهم. وكما فعل مع قوى العملية السياسية، إذ نجح في تفكيك بعضها، وتصديع وحدة نشاطها، فانه ظل مع فريقه يجهد في تخريب وسائل الإعلام، واستمالة الرخو والهش منها، بأساليب الإغراء وبالتضييق وحجب مصادر الخبر والمعلومة، وإغراق الوسط الصحفي والإعلامي بما يعطل دوره، ويجعله موضع شبهة ومساءلة.
ويبدو أن قضم الحريات ورجم القيم والكرامات، وتجريد العراقيين من الأمل والرجاء بفرجٍ قريب، امور لم تعد كافية للسلطان، فصار الى ملاحقة مكشوفة لاصحاب الرأي والقلم الحر، ودعاة العودة بالبلاد الى المسارات الديمقراطية، وحمايتها من الشظايا المتطايرة من الفتنة والازمات والحرمان المستديم.
لقد فقدت السلطة توازنها، وباتت تتصرف كما لو انها اطمأنت الى انها مطلقة الحرية في العبث بمصائر الناس، تشن الصولات في اي اتجاه تراه من دون مشاورة او اعتمادٍ على اطر دستورية، فتعتقل من ترى فيه ما يشي بمعارضة، وتبعد من وهنت ممالأته، وتوزع المكرمات، كما كان يفعل حكام الصدفة الآتين من المجهول الى مدارج السلطة المطلقة.
وفي محاولة يائسة من فريق رئيس مجلس الوزراء، ومكتبه، لكسر شوكة صحيفة "المدى" ومؤسستها، وبوهمٍ جدير بمن احتكم الى المغامرة اليائسة، بدأت الدعاوى تتدرج في ملاحقة الكتاب البارزين فيها، وتدبير دعاوى وفقاً لمواد تلزم بالحضور بمذكرات إلقاء القبض! وينسى مقام مكتب رئيس الوزراء ان محرري "المدى" لا يدبجون المقالات بأقلامهم وفئران كومبيوتراتهم، بل بضمائرهم، وليس لأي منهم غرض او مطلب شخصي، ولم يكن احد منهم، في اي عهد، ضمن المبخرين للطغاة وجوقة وعاظهم.. انهم أصحاب عقيدة وطنية، ولاؤهم الأول والأخير لشعبهم ووطنهم ومهنتهم.
كما يتوهم هؤلاء الذين آثروا الاصطفاف مع من يريد الإجهاز حتى على الأمل في نفوس الناس، ان مسعاهم الخائب الجديد سيثير الخوف في نفوس اسرة "المدى" وقرائها، بعد ان أشاع السلطان الفساد والخراب في جسد البلاد، وجعلها في صدارة الدول الاكثر تخلفاً وفقراً وفساداً، وصيّر العراق مضرب المثل في الوهن والعجز والاحتراب، وتمكّن الارهاب والتكفير في العبث بأمنه وسلامة مواطنيه، بحيث تراجع "مصطلح اللبننة" ليحل مكانه مصطلح "العرقنة" حتى بالنسبة الى السياسي والمواطن اللبناني، للتحذير من الفتنة والانزلاق الى متاهات الحرب الأهلية!
ويتوهم كتبة ومستشارو رئيس مجلس الوزراء، ان كتاب "المدى" وهيئة تحريرها، انما هم صدى لفخري كريم، على شاكلتهم وسرائرهم، متناسين ان كل واحدٍ منهم قامة صحفية وفكرية، يحمل تاريخاً من التحدي للاستبداد، يجعل فخري كريم فخوراً بأن يكون واحداً من عصبتهم المنزهة عن الغرض، المتطوعة لحمل هموم وراية الباحثين عن حياة حرة كريمة، تسودها العدالة الاجتماعية، وتحكمها القيم والمبادئ الديمقراطية.
ان إصدار مذكرة استقدام لسرمد الطائي، او طلب القاء القبض عليه، ليست سابقة، وهي لن تكون فزّاعة لإثارة الهلع في نفوس عدنان حسين او علي حسين، او الزملاء الشجعان من الكتاب والعاملين الآخرين في "المدى". انها ليست سوى ظاهرة على اهتزاز آخر ما تبقى من هيبة لدولة القانون الفاشلة والقيمين عليها..
ان كل صحفي وإعلامي حر، ينبغي ان يتنبه الى المكائد التي تحوكها السلطة لكلٍ منهم وللسلطة الرابعة، في مسعى للاجهاز التام على الحريات المقضومة، ويتنادوا في ما بينهم لفضح ممارسات مكتب رئيس الوزراء والزمرة المحيطة به من اشباه وعاظ السلاطين.
بعدما عطّل دور السلطات الثلاث جاء دور السلطة الرابعة: رجلٌ يتعثر بظله...
[post-views]
نشر في: 2 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
ياابطال المدى كنا نتوقع رد الفعل هذا من السلطان ومن وعاظه منذ زمن بعيد واليوم اصبح واقعا فعليكم الثبات امام هؤلاء الفاسدون والفاشلون اليوم يومكم يابطال المدى وعليكم الصمود فلا نسمح لكم بالتراجع ولا الهزيمة امام هؤلاء الضعفاء والراحلون والابطال تبقى صامدة