TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أيريان منوشكين ومسرح الشمس

أيريان منوشكين ومسرح الشمس

نشر في: 3 فبراير, 2014: 09:01 م

أيريان منوشكين هي المخرجة الفرنسية الروسية الأصل والأكثر شهرة في المسرح المعاصر، قامت مع مجموعة من أصدقائها من جامعة السوربون بتشكيل فرقة (مسرح الشمس) في باريس عام 1964 وفقاً لتوجهات الجمعية التعاونية العمالية، وبعد صدامات مختصرة مع الواقعية النفسية (طريقة ستاف فلافسكي) والكوميديا دي لارتا (الكوميديا الإيطالية في عصر النهضة)، وبعد أن تدربت في معهد (جاك ليكوك) حيث المؤثر الأول لها، كانت مسرحية الإنكليزي (أرنولد ويسكر) المعنونة (المطبخ) أول إنتاج لفرقتها  الذي بدأته بمشهد صامت عام 1967 أظهرت فيه نزعتها اليسارية باتجاه مسرح شعبي، بينما كشفت في إنتاجات لاحقة، وعن قصد، عملية التمثيل وآلية المسرح كما لو كانت نقطة انطلاق سياسية حول ظروف العمل، بعد انتفاضة مايس 1968 (انتفاضة الطلبة ضد السلطة وسياستها في فرنسا) تخلت (منوشكين) عن النص المسرحي وطورت سلسلة من الإبداعات التعاونية المستنبطة  التي أظهرت فيها نفسها مجرد قائدة للتمارين المسرحية وليست مخرجة، وكان أكثر تلك الإبداعات شهرة مسرحيتها المعنونة (1789) أو (يجب ان تتوقف الثورة عن استكمال السعادة) .وقدمت المسرحية عام 1970، وكانت المسرحية عبارة عن استعراض احتفالي ذي بؤر متعددة لصيغ المسرح الشعبي تلك التي طبقتها لتستعرض تاريخ فرنسا، وكان للمسرح الآسيوي تأثيره الثابت لاهتمامها به وبتقنياته، ومن عام 1981 حتى 2005 صوّرت أسلوباً خطابياً عالياً في التمثيل واستخدام الأقنعة ورقص وحركات مقتبسة عن التراث الآسيوي، وهكذا تعرفت تطبيقاتها ذات التداخل الثقافي مع الشرق مع مجموعتين من المسرحيات الكلاسيكية (مسرحيات شكسبير،1981-1984، وتراجيديات إغريقية، 1990-1994، ومسرحيات معاصرة ذات ثيمات آسيوية كتبها (سيكسوس)، بعد حين عادت إلى العمل التعاوني الخلاّق لتروي قصصها عن عدد من الأفراد الذين تم احتجازهم في هجرة وبتحول مضطرب، وعن آثار الحياة الهامشية في فرنسا ما بعد الحرب، ومنذ عام 1971 راحت تعمل خارج باريس لتخلق بيئة خاصة بكل إنتاج مسرحي تنتجه وتحقيق جماليات جسدية وبصرية تنتقد بواسطتها الكولينيالية والإمبريالية.
قمت بترجمة هذه السيرة المختصرة لفنانة مسرحية عالمية عن (دليل أوكسفورد للمسرح والعرض) لأبين للقارئ الكريم وللمتخصص الجاد عدداً من التوجهات السياسية الفنية المسرحية المهمة التي هيمنت على الحقل المسرحي في النصف الثاني من القرن العشرين: أولاً،  لتسمية فرقة منوشكين (مسرح الشمس) لها معنى مجازي هو ان المسرح ينير الطريق للعاملين فيه وللجمهور نحو مستقبل أفضل.
ثانياً، إن (المسرح الشعبي) ليس كما يدعي البعض هو ذلك الذي يعتمد على الكوميديا والذي يتخذ من اللهجة وسيلة للإضحاك.
ثالثاً، إن المسرح التجريبي ترضيات وإجراءات وأهداف. وفي مثالنا عن (مسرح الشمس) فان الأهداف سياسية بالدرجة الأولى ،وللعلم فإن جميع أهداف الفرق التجريبية في العالم هي سياسية ووسيلة نقد الجوانب السلبية في نظام الحكم وفي الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وأن الارتجال هو التقنية الرئيسية في عمل الفرقة التجريبية.
كانت طموحات (أيريان منوشكين) جراء تأسيس فرقتها أن تبتكر صيغا مسرحية وفنا شعرياً مخصصا للمسرح حيث تعرض فيه الواقع الإنساني والاجتماعي والسياسي، وفي إنتاجاتها المسرحية راحت (منوشكين)  تعتمد كل ما يدعو إلى الحرية ويثير إلهامها، وفي رسالتها في يوم المسرح العالمي لعام 2005، قالت: المسرح يحررني، وإذا كنت نائمة يوقظني وإذا تهت في الظلام يقودني إلى شمعة، وإذا كسلت يحركني، وإذا كنت خائفة يشجعني، وإذا كنت جاهلة يعلمني، وإذا كنت متوحشة يجعلني إنسانة، وإذا كنت شريرة يعاقبني، وإذا حاولت الهيمنة والقسوة يحاربني ،وإذا صرت سوقية يهذبني، وإذا لذت بالصمت يحرك لساني، وإذا توقفت عن الحلم يسميني أحمق ، وإذا ما نسيت شيئاً يذكرني به، وإذا شعرت بالشيخوخة يعيدني طفلاً، وإذا كنت حزيناً يفرحني، وإذا عميت يوقد أمامي كلّ الأضواء، هذا هو المسرح الحقيقيّ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram