اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > الأمطار تعصف بشوارع العاصمة وتقطع أرزاق الباعة المتجولين

الأمطار تعصف بشوارع العاصمة وتقطع أرزاق الباعة المتجولين

نشر في: 3 فبراير, 2014: 09:01 م

صور لا تحصى لمواطنين هاربين من نعمة الله (المطر) وكل حسب اجتهاده في الهروب،ومن لا يملك مظلة مطرية ارتدى كيس نايلون جاعلا منه سترة وقاية،أصحاب سيارات الحمل المتواجدين في ساحات وأزقة منطقة البتاوين لاذوا داخل سياراتهم بعد ان أغلقوا نوافذ سياراتهم واغلب

صور لا تحصى لمواطنين هاربين من نعمة الله (المطر) وكل حسب اجتهاده في الهروب،ومن لا يملك مظلة مطرية ارتدى كيس نايلون جاعلا منه سترة وقاية،أصحاب سيارات الحمل المتواجدين في ساحات وأزقة منطقة البتاوين لاذوا داخل سياراتهم بعد ان أغلقوا نوافذ سياراتهم واغلبهم غادروا المكان، رجل كبير السن بعكازتيه محاولا الوصول الى الجانب الآخر من شارع السعدون وهو يقاوم السير وسيل الامطار التي جعلت من ثيابه قطعة ماء من دون ان يكترث وكأن لسان حاله يردد مع المتنبي (أنا الغريق فما خوفي من البلل).
الجميع كان ينحني إجلالا  لنعمة المطر بما يدرُّه من خيرات على الارض،المطر قصائد الشعراء ولوحات الفنانين وضحكة الفلاحين وغذاء الزرع الروحي والأزلي ،أنشودة السياب أصبحت نقمة على الباعة المتجولين الذين يمقتون المطر كمقتهم للفقر الذي ابتلوا به في بلــد الخيرات والثروات!
محنة بائعي الصحف
علي منخي بائع صحف في تقاطع ملعب الشعب رزم صحفه في كيس نايلون تحت مظلة المرور وهو يردد مع نفسه"الفقير فوك البعير وعضه الجلب...هسه إحنه عايزين ياربي" قال للمدى بعد تردد ان ما يجنيه من ربح مادي يوميا من بيع الصحف لا يتجاوز العشرة آلاف دينار وبانقطاعه سينقطع رزق عائلته المكونة من والدته وثلاث شقيقات ،مبينا ان والده توفي إثر مرض عضال، منخي البالغ من العمر ثلاثين عاما هو خريج معهد ادارة واقتصاد ولكنه كما يبين لم يحظ َبفرصة تعيين لا في عهد النظام السابق ولا الحالي، مشيراً الى أنه راجع العديد من الدوائر من اجل الحصول على وظيفة تنقذه من حالة الضياع والبؤس التي يعيشها لكنه يصطدم بروتين الرشا الذي أصبح عنوانا رئيسا لجميع الدوائر الحكومية كما يقول، مبيناً ان ايام المطر هي ايام بؤس وحزن على عائلته التي تسكن في احدى دور الحواسم التي تقع تحت جسر محمد القاسم السريع من جهة معسكر الرشيد.
المطر وسوق (البخصم)
تركنا منخي بمحنته تحت مظلة المرور والتقينا بمنكوب آخر اسمه صباح زوير وهو يحمل على رأسه صينية  البخصم (كيك مطلي بالسمسم ) بعد ان غلفها بكيس نايلون سميك ،بدت على وجه  زوير ملامح القلق من استمرارية هطول الامطار لان ذلك كما يقول سيضيع منه "الصاية والصرماية"اي ان المال الذي اشترى به البخصم فضلا عن الربح  الذي لا يتجاوز الـ(12)الف دينار سيصبحان في خبر كان ،لكون اغلب الزبائن سواء كانوا من السائقين او الراكبين نادراً ما يفتحون نوافد عجلاتهم خشية ان تدخل  المياه الى داخل السيارة وتتلف المقاعد اضافة الى اغلفة السيارة الداخلية، ويوضح زوير انه من الساعة السادسة وحتى الان لم يبع من بضاعته سوى خمس قطع فقط، في حين انه في الايام الطبيعية التي تخلو من الامطار تكون بضاعته قد نفدت عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، وتمنى زوير وهو يتحدث بحرقة وألم ان تتوقف الامطار ليتمكن من بيع بضاعته وضمان رزق عائلته وخاصة ان الشارع اليوم مزدحم بالعجلات حسب وصفه.
قلق المواطن  من الفيضانات
الزحام الحاصل اليوم  والمرافق لنقمة المطر من دون أن نعرف السبب  منعنا من التوجه صوب المناطق التي فاضت بالامطار السابقة ومازالت آثار تلك الامطار واضحة فيها ،وهذا مادفعنا الى الاتصال هاتفيا بأحد  مواطني منطقة التعب - عفوا- الشعب ، محمد علي احد سكنة محلة 339 اكد للمدى بان جميع المواطنين يخشون من استمرارية الامطار وبالتالي سيعيشون المأساة نفسها التي عاشوها إثر الامطار السابقة التي سببت الفيضانات في منطقة الشعب ،تلك الامطار التي  جعلت المياه تنفذ علينا من خلال النوافذ وبصورة لا يمكن السيطرة عليها،بعد ان عجزت الدوائر الحكومية من تقديم يد العون،وأوضح علي ان العائلة المكونة من 18 فرداً التجأت بالكامل الى الطابق الثاني ،وقاموا بعمل مظلة كبيرة على السطح لحفظ بعض الاثاث المهم الذي لم يستوعبه الطابق الثاني، وبشأن المساعي الحكومية لإنقاذهم هزَّ علي يــده  ضاحكا ومتسائلا: اين كانت الحكومة عما يحدث في فصل الصيف؟ لماذا لم يجددوا شبكات المجاري بعد ان عاشت البلاد ازمة الفيضانات في العام الماضي؟ اين المليارات التي صُرفت وعلى من؟ هل يطالبونا بانتخابهم مرة اخرى وهم من اوصلونا الى هذا الحال؟ ورداً على سؤال المدى بشأن المبالغ التي خصصتها الحكومة وهي مليار دينار لكل محافظة،رد علي قائلا: كل بيت من بيوت زقاقنا سعره لا يقل عن 400مليون دينار،وهناك بعض البيوت قد انهارت فماذا يساوي هذا المبلغ أزاء زقاق؟ فكيف الحال أزاء محافظة بكاملها! كما يقول المواطن.

جميلة وارتفاع الأسعار
الأسواق الشعبية الواقعة في منطقتي الأمين والمشتل أصبحت مع محالها المفتوحة عبارة عن بركة عائمة من المياه،وخلت من الباعة إلا الذين منَّ الله عليهم بمظلات كبيرة ومن لديهم خزين من البقوليات والخضار يحاولون تصريفها،وبعضهم جازف بالذهاب الى علوة جميلة وهي الممون الرئيس لأسواق شرق بغداد لغرض جلب البضائع منها، ففوجئوا كما يقول ابو جاسم صاحب محل لبيع الخضار بارتفاع أسعار البضائع والنقل ،مبينا ان سعر كيلو الطماطم وصل الى (1750)دينارا كسعر للجملة وهذا ما يجعل البائع مضطرا ان يحمِّله مبلغ(250)دينارا على الاقل،وبين ابو جاسم ان سعر الستوتة او سيارة الجيب وهما الوسيلتان الوحيدتان للنقل ايام الامطار،بعد ان كانت اجرتهما ألفي دينار اصبحت اليوم خمسة آلاف دينار،هذا إذا ما توفرت تلك الناقلات في مثل هذه الظروف التي جعلت من علوة جميلة مستنقعا مائيا يصعب الدخول اليه، مشيرا الى ان اسعار الخضار والبقوليات وخاصة القابلة للحفظ منها كالبطاطا ازداد سعره الى الضعف،واذا ما استمرت الامطار بالهطول ستزداد الاسعار اولا لشحة المواد وارتفاع اسعار النقل،وقلة منافذ البيع بعد غرق أغلب الاسواق!
أسواق الأمين
أم أيمن التي طافت شارع الارامل في محلة شهداء الامين  باحثة عن بائع للخضار قالت للمدى وبتهكم مشوب بالمرارة ابو جاسم وجماعته اصبحوا عملة نادرة كما هو حال السياسيين الشرفاء بحسب قولها، ام ايمن التي ترتدي عباءتها مع (جزمة) سوداء وكأنها بزي موحد مع عباءتها وثوبها وفوطتها اكدت ان اغلب  نساء الجيران اللواتي يملك أزواجهن سيارات ذهبن  الى اسواق بغداد الجديدة والمشتل من اجل التسوق ،لكنها وكما تقول لا تستطيع ذلك لكونها تعتمد في رزقها على محل صغير داخل بيتها لبيع المواد الغذائية،موضحة أنها نقلت البضاعة للطابق الثاني خشية عليها من التلف،وتضيف ام ايمن ان زبائنها واكثرهم من الاطفال  يضطرون الى الصعود لطابق بيتها الثاني لغرض الشراء،بعد ان غمرت المياه الطابق الاول من دارها بحسب قولها.
صور من البتاوين
المطر يتباهى بجموحه متبختراً غير آبه برزق محال تجارية أغلقت ابوابها في ازقة منطقة البتاوين، وباعة متجولون  جعلهم يركنون الى خانة السكون ،وبيوت آيلة للسقوط وعلى الرغم من نزيف مزاريبها لم تسلم سقوفها من سطوة الغيث، وانت تسير في تلك الشوارع مجبراً على مشاهد مأساوية تحتاج الى مليون كلمة وكلمة للتعبير والوصول الى اخراج متقن وواقعي للقطات الحزن،الوان ملابس المارة وأحذيتهم لم تعد على طبيعتها واتخذت من الوحل لونا رئيسا لها ليس احتراما للطبيعة وأنما تحت بند مكرها أخاك لا بطل،في بداية معايشتنا لمعاناة بغداد  من الامطار كنا مررنا على ساحة الطيران،التي وجدناها خالية من المقاهي المكشوفة التي هي المقر الدائم لعمال البناء،وبالتضامن مع تلك المقاهي اختفوا عمال البناء ايضا باستثناء عمال المجاري الذين يعدون ايام المطر موسم عملهم الذهبي ،لكون اغلب مناطق بغداد شبكات مجاريها شبه منتهية ويجب احالتها على التقاعد لكن للفساد الاداري أحكامه في استمراريتها  بالخدمة.
العامل مطر يكره المطر
محمد مطر عامل في أحد مخازن التغليف الذي يختص ببيع مواد الجملة وجدته منهمكا بالحديث مع عامل آخر وكانا يتبادلان الشكوى بسبب غلق تلك المخازن وعزوف الزبائن عن الشراء لاسيما وانهما يعملان بمبلغ مقطوع بحسب نظام القطعة كما يقول مطر، لان أصحاب المخازن يتعاملون معهم وفق عدد السيارات التي يحمِّلونها بالبضائع ،مؤكدا انه في الايام التي يصاحبها هطول الامطار ينقطع الرزق تماما ولا يحصلون حتى على اجور النقل الى مناطق سكناهم،ويصف مطر منطقة المخزن التي يعمل بها وكأنها منطقة فرض عليها حظر التجوال، فلا وجود للمارة التي تعج بهم المنطقة يوميا ولا سيارات النقل التي تملأ الشارع مواظبة على ايصال البضائع الى مناطق بغداد وكذلك الى المحافظات كما يوضح مطر الذي ختم حديثه بالقول "المطر نقمة وليس نعمة علينا نحن الفقراء الذين لا نملك غير الدعاء لله أن يمنع عنا هذه الأمطار ويوقفها"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram