سعد أحمد
في خمسينيات القرن الماضي على ما أتذكر، كانت ميزانية مجلس الإعمار في العراق الملكي، بضعة ملايين من الدنانير أو ما يعادلها بالجنيه الإسترليني، لأن العراق كان في منطقة الإسترليني. ومن ذلك "الكيس الفقير" قامت مشاريع بنىً تحتية مازال بعضها موضع افتخار العراقي في أيام "المزبّن"!
وفي استرجاع يثير الحيرة والعبوس، قامت الدنيا ولم تقعد في العهد الملكي أيام الطبقة السياسية التي ثرنا عليها، حين تسرب خبرٌ حول زيارة لنوري السعيد ونُشر في جريدة "القاعدة" لسان حال الحزب الشيوعي العراقي.. قامت الدنيا ولم تقعد بسبب وليمة غير رسمية أقامها نوري باشا ودفع نفقاتها من خزينة الدولة. تناقلت المحافل السياسية والشعبية الحدث الجلل، وانتشرت وقائعه كالنار في الهشيم.
نوري السعيد سُحِلَ في الشوارع ومُزِّقت جثته في عملية انتقامٍ "شعبي" مُستَنكَر، واعتُبِرَ "عميلاً وخائناً"، مع انه كان منحازاً الى قناعة سياسية رأى أنها الخيار الأفضل للعراقيين.
لم يكن نوري السعيد والطبقة الحاكمة بلا ذنب أو جرائر. فقد ارتكبت في ذلك العهد مجازر في السجون، وسقط شهداء في المظاهرات السلمية، وتعرض المعتقلون والسجناء الى صنوف التعذيب، وأُلحقت بالعراق خسائر مادية وسياسية بالغة نتيجة دخوله في المحاور الاستعمارية. ودون اسقاطاتٍ ومقارنة بين ذلك العهد وما نحن فيه من بلاء، لكن الشيء بالشيء يُذكر، والمقارنة التاريخية، تصح لإصلاح ما افسده الحكم، وانحدرت اليه الطبقة الحاكمة في كل عهد.
حكام اليوم في أغلبيتهم "إسلاميون وطنيون" يدّعون مخافة الله، ويؤمنون باليوم الآخر، وفي جباههم وشم السجود، ومع ذلك لا احد من هؤلاء ينتفض، ويتبرأ من الفضائح والانتهاكات والتعديات وسرقة المال العام التي اصبحت خلال عشر سنوات، ثقافة رسمية، وسلوكاً شائعاً لا مرد ولا عقاب لمرتكبيها! وأوشك الناس على التساؤل، وهم يكابدون صباح مساء، الضيم المستديم بمرارة، في ظل مناحات على ضحايا الارهاب، وقلق من الفواجع المتوقعة الآتية.. أهذا ما كنا نناضل من اجله؟ وأي مقارنة تصلح بين عهدين يفرق بينهما اكثر مما يجمع، أن تُعتقل وتُسجن وتُصادر حريتك، وتُقتل بالكاتم، وتُنتهك حرماتك وكرامتك، من قبل حاكم ملتحٍ، "إسلامي التحزب والانتماء"، يتعبد في مكاتب الحكومة، في أوقات الدوام، أو تلقى ذلك من طاغية وطغمة متجبرة، لا تتظاهر بالتدّين أو تجاهر بأداء الشعائر والفروض؟
كان نوري السعيد من وجهة تلك المرحلة "عميلاً"، مع ان عقيدته السياسية كانت تجيز له ممالأة الاستعمار، وانتهاج سياسة تابعة كانت من وجهة نظره والطبقة الحاكمة، الخيار الامثل، كما قال في المحكمة وزير الداخلية يومذاك سعيد قزاز. ولكن ما هو توصيف حاكم متلفعٍ بعباءة الإسلام والطائفة، يستجير بالأجنبي، الأميركي وغيره، لإدامة كرسي حكمه، والانحياز الى جانبه، في مواجهة معارضيه، ويسمع النصح من الأجنبي، وينفر من نصح بني جلدته؟
كانت كبوة نوري السعيد، التصرف بعشرين ديناراً، اكثر قليلاً او أقل، من خزينة الدولة، فقامت قيامة المعارضة الوطنية، فاين ذاك من تبديد وهدر مليارات الدولارات، والسطو عليها في ايامنا هذه، ولا من حسيب او رقيب..؟!
اكد خبراء عراقيون منزهون عن السرقة، ان العراق خسر خلال السنوات العشر الماضية، ما يساوي مئة وسبعة وثلاثين مليار دولار، نهباً عن طريق شبكات غسيل الأموال.
والمواطن المُبتلى، يفغر فاه كلما أطل السيد نوري المالكي من شاشة "العراقية" التي امتلكها، وهو يتحدث تارة عن ملفات فساد، ويقول انه اذا أقدم على كشفها سيطيح برؤوس معارضيه، ويقلب الطاولة عليهم، ويجعل من باحة البرلمان ساحة للملاكمة الحرة يتبادل فيها النواب اللكمات والركلات والضرب بالكراسي. ويا لخيبة شعبنا، بعد ان تبين على لسانه ان الملفات ناقصة مثل كل شيء في الدولة!
يقول المواطن وهو يعجز عن ملاحقة لصوص المال العام: يا لسوء حظ نوري السعيد، فهو لم يُعّمر حتى يرى "مهرجانات النهب العلني العام" بمليارات الدولارات، لعلنا حينها سنشاركه الندب على حاله حين تجاوز حدود صلاحيته كرئيس وزراء يوماً، وأنفق عشرين دينارا، اكثر أو اقل لا يهم..
حان الوقت لمبادرة يطلقها شباب الحراك المدني، بالدعوة لتوقيع ميثاق شرف شعبي، يقرر العفو عن كل مسؤول سارقٍ او قاتلٍ او مرتكب كبائر، شرط ان يرحل بخزانته وعائلته، الى ملاذ آمن، لا مساءلة ولا ملاحقة له ولا لعياله وبني عترته.. وانا سأكون أول الموقعين..!
جميع التعليقات 3
فاروق العزواي
هذه الايام ادرك الكثير من المناضلين ضد العهد الملكي ان ذاك العهد كان باختصار زمن الاوادم بالمقارنه مع زمن الحراميه و الغوغاء و التخلف العقلي الحالي لسياسي هذا اليوم ولقطعان اجتماعيه وندموا كثيرا على مقارعة
خليلو...
وليس له قبر ولا دار يمتلكها ، كنا نزعم ان صباح ابنه تأتيه سكاير craven كل يوم من لندن مما تنتجه الشركة في ذلك اليوم نتساهل نستاهل قال العارفون : رب يوم بكيت منه، فلما صرت في غيره بكيت عليه ذكر في الأمثال : يداك أوكتا وفوك نفخ ، معناه بإيجاز :
ابو سجاد
في الزمن السابق كانت الاحزاب محرومة من الثروة لذلك كانت تكتب وتنتقد وتتظاهر وترفع السلاح وتلقي بالمنشورات ليلا وتحرض الناس والان لاتفعل كما كانت تفعل في الماضي الكل غارقين في الثروة احزاب اسلاميةو علمانية وليبرالية ومستقلة اما الوطنية والقومية والدين تبين