TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سلحفاة عراقية تنقرض في ايران

سلحفاة عراقية تنقرض في ايران

نشر في: 5 فبراير, 2014: 09:01 م

فجر الاربعاء كنت اتصفح الجرائد الفارسية منهمكاً بمتابعة ضجة حول "شوارب الدراويش" الذين يدافع الرئيس حسن روحاني عن حقهم في الاحتفاظ بها طويلة مسرحة، بعد مضايقات الشرطة المتشددة لهم. ما جعل الرئيس الاصلاحي يعين وزير الاستخبارات السابق الشيخ يونسي مستشاراً له في متابعة شؤون الاقليات، مثل العرب والسنة والدراويش، في قضايا تخص الشوارب وغير الشوارب.
لكنني عثرت في هذه الاثناء، على تقرير ايراني موسع حول سلحفاة نادرة اسمها العلمي "سلحفاة الفرات" ظهرت على ضفاف نهرنا الطيني قبل زمن طويل، وهاجر بعضها نحو ايران الساسانية، وهي اليوم معرضة لخطر الانقراض على الحافة القصوى من بلاد فارس بعد ان انقرضت في العراق، حسب الخبير الايراني بيجن داراشوري الذي يشعر "بالصدمة" ويقول انها سلحفاة ليست عادية، ف"درعها ناعم بشكل ملفت، ولديها ثلاث اصابع"! ان مهندسي نفط صينيين يعملون شرقي هور الحويزة عند الجانب الايراني، يقبلون على صيد سلحفاتنا والتفنن بطهيها، لان الطب الصيني يضع فوائد لا تحصى للحمها، بما لم يبلغه طب اهل بابل ولا اهل فارس، وهكذا تهدد هذا الصنف بالانقراض.
وعلى طريقة الباحث الايراني بيجن الذي ينظم حملة للدفاع عن هذا الصنف النادر، فقد اهتم اسلافنا العراقيون بالسلاحف، ووجدت ان العالم البصراوي ابو عثمان الجاحظ، ذكر ان السلحفاة هي "بنت عم الضب والوزغ" متقدما على علم النشوء والارتقاء بألف عام. فهو في كتاب "الحيوان" الشهير، يقسم الكائنات الحية إلى، شيء يمشي، وشيء يسبح، وشيء ينساح (يزحف). ويذكر ان النوع الذي يمشي على أقسام: ناس، وبهائم، وسباع، وحشرات. ويقول: "ليس كل عائم سمكة. ألا ترى في النهر والبحر: كلب الماء، وعنز الماء، وخنزير الماء، وفيه السلحفاة، والضفدع".
والجاحظ اللاهوتي واللغوي يذكرنا بجيل النحاة البصريين العراقيين، الذين ارسوا المنهج الفكري لعلوم الامة العربية الاسلامية. وهذا الصنف من الناس تعرض للانقراض في العراق قبل "سلحفاة الفرات"، بقرون، لان الحكومات توقفت عن دعم التعليم، كما ان اهل الخير انصرفوا الى تمويل الحملات الانتحارية والدعايات الانتخابية، ولم يعد العلم والفن والادب يثير حماسهم.
وفي تحذير من انقراض يبدو أدعى للصدمة، فإن اتحاد الادباء في البصرة وقريباً من الحويزة، اوصد ابوابه وأعلن افلاسه. ويبدو ان الادباء هناك بحاجة الى خبير مثل السيد بيجن الايراني، يحذر من خطر اندثار الفن والادب، في البصرة، التي عرفتها الدنيا قبل النفط، بالخليل والاصمعي والفلاسفة اخوان الصفاء وأناشيد سندباد، وظلت تباهي بالسياب ومحمد خضير. ويحق لأدباء اليوم ان يوصدوا باب اتحادهم، لعل الحكومة المحلية تتنبه فتخصص لهم دراهم من البترودولار، لحفظ ما يمكن حفظه، بعد ان ضاع او كاد يضيع، تراث عظيم وجهود جليلة ضمن ١٠٠ عام من محاولات اعادة تأسيس أمة رافدينية، و١٠٠ عام من النفط والتنمية المهدورة، والصراعات التي لم تجد حكيماً ينجح في اقناع السلاطين بتجنب الاستهتار في السياسة، التي زحفت حتى على السلاحف وشتت شملها، ومعها كل اسس الحياة الطبيعية للانسان والحيوان.
ان الجاحظ يقسم الحيوان إلى فصيح وأعجم. وينبهنا الى ان الاعجم لديه فصاحته الخاصة "فمنه ما يرغو، ويثغو وينهق، ويصهل، ويشمخ، ويخور، ويبغم، ويعوي، وينبح ويزقو، ويصفّر، ويصوص، ويقوق، وينعب ويزأر ويكش، ويبح".
وقد "بحت" اصواتنا "وكشت" من اطلاق الاستغاثات ب"الصفير والصهيل والعواء والصراخ"، في محاولة بكل لغات الفصيح والاعجم، للتفاهم مع العفاريت المخبولة التي تفسد سياسة الامة، وترفض الانصات للعقل، وتصر على التلاعب بمصائرنا خارج كل السياقات، وتقول انها ستظل متمسكة بحكمنا حتى انقراض آخر صنف عراقي. انها عفاريت لم يصنفها الجاحظ، ولم تخطر على بال حتى البيروني!
و... مستمرون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. فاروق العزاوي

    سيد سرمد مقالتك اليوم تعبر عن ضجر و جزع غير موصوف من تمسك المهوسين بالمنصب حيث النفوذ و الجاه والمال وذكرتهم في اخر سطر من المقاله الطويله التي فيها عرض مشوق و تاريخي عن الحيوانات المهدده بالنقراض و لكن تأكد سيد سرمد وهذا ليس رفع معنويات و انما واقع ان هؤ

  2. ابومنتظر

    ينقرضون لكن بعد ارجاعنا الئ عصر المنقرضات الدينصور

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram