عبد الله حبة – اسم معروف في دنيا الأدب الروسي و مسيرته في عالمنا العربي , إذ ترتبط بهذا الاسم ترجمات نصوص أدبية روسية متميزة من اللغة الروسية إلى العربية أولا , وترتبط باسمه ثانيا دراسات نقدية وتحليلية كثيرة أيضا حول الأدباء الروس وسماتهم وخصائ
عبد الله حبة – اسم معروف في دنيا الأدب الروسي و مسيرته في عالمنا العربي , إذ ترتبط بهذا الاسم ترجمات نصوص أدبية روسية متميزة من اللغة الروسية إلى العربية أولا , وترتبط باسمه ثانيا دراسات نقدية وتحليلية كثيرة أيضا حول الأدباء الروس وسماتهم وخصائصهم من وجهة نظر باحث عربي يعرف بعمق وقائع حياتهم وأهمية نتاجاتهم وقيمتها الفنية والإبداعية , ويعرف بمهارة كيف يربط تلك النتاجات بالظواهر الاجتماعية والفكرية للحياة الروسية.
ولد عبد الله حبة في بغداد ودرس في معهد الفنون الجميلة / قسم التمثيل, وبعد تخرجه وحصوله على الشهادة الجامعية سافر إلى موسكو عام 1960 لدراسة المسرح الروسي في معهد الفن المسرحي – (غيتيس ) الشهير, بعد مساهماته الكثيرة والمتنوعة في عالم المسرح العراقي آنذاك والحركة الفنية العراقية بشكل عام , ومنذ ذلك الحين وإلى حد الآن , أي لمدة اكثر من نصف قرن, بقي عبد الله حبة في موسكو, ورغم انه يعيش في موسكو ضعف سنوات عمره في العراق إلا انه كان و لا يزال يحمل العراق في قلبه وعقله طوال هذه الفترة الطويلة من الزمن, مؤكدا صحة المثل العربي المعروف – (ما الحب إلا للحبيب الأول ), وينعكس هذا الحب – قبل كل شيء – في إغناء المكتبة العربية بالمصادر الجديدة حول الأدب الروسي في مجال الترجمة من الروسية إلى العربية و كذلك في مجال الدراسات العميقة والموضوعية حول هذا الأدب , ويؤسفني عدم امتلاكي لقائمة الكتب التي ترجمها عبد الله حبة عن الروسية والتي اخبرني هو نفسه مرة أنها تقارب الأربعين, وكم أتمنى ان يضعها ويرتبها هو نفسه على وفق تسلسلها الزمني تسهيلا للباحثين أولا , الذين يتابعون و يدرسون موضوعة الأدب الروسي في العراق خصوصا والعالم العربي عموما, وتسجيلا لجهوده الكبيرة في هذا المجال الفكري المهم ثانيا , وبودي هنا ان أتحدث وأتوقف قليلا عند كتابين معروفين ومهمين ليس إلا , إذ لا يمكن ان أتناول في إطار هذه المقالة الوجيزة اكثر من ذلك , والكتاب الأول هو – مجموعة أقاصيص لبونين, والثاني – مسرحيات مختارة لاستروفسكي, وكلاهما صدرا في الاتحاد السوفيتي عن دار نشر – رادوغا(قوس قزح) السوفيتية. صدر كتاب (الدروب الظليلة ) عام 1987 , وهو عمل ترجمي رائد لكاتب لا يعرفه القارئ العربي جيدا ولا يفقه أهميته الكبيرة في تاريخ الأدب الروسي والعالمي وهو – إيفان بونين ( 1870 – 1953 ), أول أديب روسي حاز جائزة نوبل للآداب عام 1933 , الذي يعد آخر العنقود في قائمة الأدباء الروس الكبار منذ بداية القرن التاسع عشر, وربما يعود سبب عدم معرفة القراء العرب له بعمق هو الموقف الرسمي السوفيتي تجاهه, إذ ان بونين لم يتقبل ثورة أكتوبر 1917 وهاجر من روسيا السوفيتية احتجاجا ،وبالتالي كانت نتاجاته الإبداعية شبه ممنوعة في الاتحاد السوفيتي, ومن المؤكد ان لجنة جائزة نوبل أخذت ذلك بنظر الاعتبار عندما منحته الجائزة, ومن المؤكد أيضا ان هذا الموقف قد انعكس – بشكل أو بآخر - في عدم تقديمه للقراء العرب , على الرغم من ان بونين استمر بعد الهجرة بالكتابة الإبداعية بنفس أسلوبه الرقراق والجميل , والدليل واضح في كتابه الذي قدمه لنا عبد الله حبة وحاول ان يحافظ على أسلوب بونين هذا , وأذكر انه قال لي مرة بانه بدأ بقراءة الأدب الوجداني العربي ابتداءً من البحتري قبل ان يترجم هذه القصص, ويجب الإشارة فعلا إلى نجاحه في ترجمة روحية النص الروسي إلى العربية , ويمكن القول انه حتى عنوان القصص تلك خضع لهذا الاجتهاد , فالترجمة الحرفية لعنوان الكتاب هي – الدروب المعتمة, ولكن عبد الله حبه حولها إلى – الدروب الظليلة, وما اجمل هذا العنوان وما أروع هذا الاجتهاد!!
الكتاب الثاني الذي نود التوقف عنده قليلا هو – (أستروفسكي – مسرحيات مختارة ) الصادر عام 1989 ويتضمن مجموعة من مسرحيات لم يسبق للقارئ العربي ان اطلع عليها مترجمة عن الروسية , وقد سبق لنا ان تحدثنا قليلا عن ذلك في مقالتنا بعنوان – ( أستروفسكي – شكسبير روسيا ) المنشورة في عد ة صحف ومواقع , واشرنا فيها إلى ان طالب الماجستير آنذاك ميثاق محمد (والدكتور التدريسي حاليا في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد) قد انجز أول أطروحة ماجستير في العراق حول مسرح استروفسكي بترجمة عبد الله حبة وكانت باقتراحي و بإشرافي العلمي . ومن الواضح ان عبد الله حبة قد اختار هذا الكتاب بالذات لترجمته لأنه يرتبط بشكل مباشر باختصاصه وهو المسرح, ويجب الإشارة حتما إلى ان هذين الكتابين قد أعيد طبعهما مرة أخرى في العالم العربي لأهميتهما أولا ولإقبال القراء العرب عليهما ثانيا.
وختاماً لهذه المقالة الوجيزة عن عبد الله حبة والأدب الروسي يجب حتما التوقف عند سلسلة مقالاته حول الأدباء الروس, والتي نشرها في الفترة الأخيرة , ومنها مقالة واسعة عن تولستوي حاول فيها ان يرسم صورة متكاملة لخصائص هذا الأديب الروسي العملاق, وهي محاولة شجاعة ولكنها لا يمكن بالطبع ان تكون شاملة كما أرادها عبد الله حبة لهذا الكاتب الذي تقع مؤلفاته الكاملة في تسعين جزءا , وهناك مقالة رائعة عن غوركي كتبها تحت عنوان - ( مأساة غوركي .. أيقونة البروليتاريا ) , وأنا معجب جدا بعنوانها المبتكر والأصيل فعلا, والذي استطاع فيه ان يلخص ويجسد بشكل فني وصحيح وجميل أهمية غوركي وقيمته الإبداعية, فالأيقونة هي رمز الأرثدوكسية المسيحية التي يعتنقها الروس وهي جزء من حياتهم اليومية , وتوحيدها مع مفردة البروليتاريا في عنوان مقالة عبد الله حبة عن غوركي جاء موفقا جدا للتعبير عن مكانة هذا الكاتب في تاريخ روسيا الأدبي والفكري . و نريد الإشارة والإشادة أيضا بمقالتين في غاية الأهمية من وجهة نظرنا وهما - ( بلاتونوف – كافكا الروسي ومحنة الانتلجينتسيا الثورية الروسية ) و ( لغز بولغاكوف..صراع خفي بين الأديب والسلطان ), وتكمن أهمية المقالتين في كونهما يتناولان موضوعين جديدين بكل معنى الكلمة للقارئ العربي , ويتحدثان عن اسمين كبيرين ومتميزين في عالم الأدب الروسي الحديث والمعاصر, ظهرا في القرن العشرين وأثارا ضجة هائلة في مسيرة الأدب الروسي الحديث, ولكن القارئ العربي كان بمعزل عن ذلك مع الأسف الشديد , رغم ان رواية بولغاكوف الشهيرة – ( المعلم ومرغريتا ) قد تمت ترجمتها من قبل يوسف حلاق بمراجعة عبد الله حبة وصدرت عن دار نشر ( رادوغا ) في موسكو عام 1990 , وتعد من أواخر إصدارات تلك الدار. لقد وضع عبد الله حبة في مقالتيه المذكورتين عن بلاتونوف وبولغاكوف النقاط على الحروف كما يقولون , وأصبحت المقالتان مصدرا مهما جدا لدارسي الأدب الروسي ومتابعيه في العالم العربي بلا أدنى شك.
والخلاصة - أن موضوعة عبد الله حبة والأدب الروسي تنتظر فارسها العراقي أو العربي.