أصبح أحد أشهر فلاسفة العالم، لا نعرف كم كتاباً كُتب عنه ، إذ بين اليوم والآخر تضاف اليها دفعة جديدة من الدراسات التي تريد ان تحلل أسطورة الرجل الذي أشعل معظم ثورات القرن العشرين، والذي لا تزال مؤلفاته تباع كأنها صدرت بالأمس، الى أي مدى كان كارل ماركس فقيرا، نعرف جيدا انه كان معوزا وأنه شقي كثيرا وأن بداياته كانت صعبة، حيث كان يعيش لأيام هو وزوجته وأبناؤه على أكل الخبز و البطاطا، في الغرفتين اللتين تشكلان المأوى الوحيد لهم، ومرة كتب لإنجلز بأنه لا يستطيع الخروج من البيت، حيث إنه "وبكل فرح" رهن معطفه ليسدد بعض الديون
قبل أيام كنت اقرأ "ماركس إرادة العالم" للكاتب جاك أتالي، حيث يحاول المؤلف رد الاعتبار للألماني الذي مات معدما، في هذا الكتاب يقرر مستشار الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتيران الخوض في عالم شديد الغرابة والغموض، شديد التعقيد، ويحمل الكثير من المفارقات والسخرية السوداء، في صفحات كثيرة يدور الكتاب حول تأليف ماركس لسِفره الأشهر "رأس المال" وما يتعلق بهذا الكتاب من أحداث ومفارقات، وكيفية كتابته، تلك الكتابة التي سلبت الرجل جل حياته، ولم يشهد إلا طباعة المجلد الأول بعد عقدين من البحث والكتابة ووعود النشر، ثم نشر رفيقه إنجلز الأجزاء الثلاثة الأخرى.
لعل الكثيرين لا يعرفون بأن مطامح ماركس في بداية حياته كانت أدبية، حيث كتب وهو على مقاعد الدراسة الجامعية ديواناً شعرياً، ومسرحية شعرية، ورواية عنوانها "سكوربيون و فيليكس" ثم شعر بالهزيمة في هذا المجال، ليفتش عن آفاق أخرى، ليتعرف فيما بعد على أفكار هيجل، وليبدأ حكاية أخرى لم تنتهِ حتى صدور البيان الشيوعي الذي يحتفل العالم هذه الأيام بالذكرى الـ166 لصدوره .
عندما جاء ماركس الى لندن مطروداً، كانت الدنيا ضيقة عليه، ولم ينقذ أسرته من الموت سوى مساعدات صديقه إنجلز، وبرغم محاصرة الدائنين كان يتسلل الى مكتبة المتحف البريطاني، يجمع الكميات الهائلة من المواد لمؤلفه رأس المال الذي استغرقت كتابته اكثر من ثماني عشرة سنة، اما إنجلز، فقد يئس من إكمال الكتاب، وقال "اليوم الذي تذهب فيه النسخة الخطية الى المطبعة، سأغرق في السكر".
أتذكر انني كنت متلهفاً لقراءة كتاب رأس المال وحين حصلت على نسخة منه بترجمة السوري انطوان حمصي لم استطع قراءة الجزء الاول وحاولت ان اجد ضالتي في كتاب الفيلسوف البنيوي لوي ألتوسير" قراءة رأس المال فوجدته، يقول " إن القراءة الحقيقية التي يمكنها أن تكشف عن رأس المال هي القراءة الفلسفية، فقد قرئ الكتاب من قبل علماء الاقتصاد والمؤرخين، ولكنه لم يقرأ من قبل فلاسفة، يكشفون عن جوهره الحقيقي " وبما انني لست من الفلاسفة فقد آمنت بكلمات التوسير وتركت الكتاب ينتظر حتى هذه اللحظة.
يذكر بعض المؤرخين ان أبا الاشتراكية في العراق حسين الرحال استطاع وخلال دراسته في المانيا أن يحصل على كتاب "رأس المال" وانه حين سمع بأن الكتاب تُرجم الى العربية في ثلاثينيات القرن الماضي، أغرى صاحب المكتبة العصرية باستيراده.
ويروي لنا الكاتب الكبير خالد القشطيني حادثة طريفة عن عمه المرحوم ناجي القشطيني الذي كان يعمل رقيبا آنذاك فقد احضر صاحب المكتبة العصرية نسخة من الكتاب لإجازته، فقرر الرقيب ان يأخذ نسخة الكتاب معه للبيت ليقرأه ومرت اشهر ولم يحصل صاحب المكتبة على جواب فاضطر إلى ان يراجع الرقيب.
*أستاذ ناجي هذا الكتاب فاتت عليه مدة طويلة، إما توافقون عليه حتى نوزعه وإما تمنعوه حتى نرجعه للناشر في بيروت.
- أي كتاب تقصد؟
*هذا اللي كتبه واحد شيوعي، يقولون عليه رأس المال؟
- تذكرت هذا أخذته للبيت، كل يوم أقرأ منه صفحة صفحتين فلا افهم شيئاً، هو يعني إذا أنا ما أقدر أفهمه، الناس شلون راح تفتهمه؟ روح أخي، وزِّع هذا كتاب ميخوف".
ويسأل عبد الفتاح إبراهيم الشاعر الرصافي يوما بعد ان كتب قصيدته الشهيرة: للإنكليز مطامع ببلادكم لا تنتهي إلا بأن تتبلشفوا، هل قرأ ماركس؟ فيكون جوابه: قرأت ما تبين لي أنه دعا الى مجتمع، لا سيـد فيه ولا مسود، يأخذ كل مَن فيه حقـه بغير زيادة، ويعطي فيه كل حقوق الآخرين بغير بخس".
يكتب لينين في مديح راس المال قائلا "رأس المال هو عمل فذ، نسيج وحده، بكل ما للكلمة من معنى، فليس ثمة ما يشبهه ولو من بعيد، لا قبله ولا بعده".
هل قرأ الرصافي ماركس ؟
[post-views]
نشر في: 7 فبراير, 2014: 09:01 م