TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً:(٨)..بواكير التكوين المتطرف وجذوره

صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً:(٨)..بواكير التكوين المتطرف وجذوره

نشر في: 8 فبراير, 2014: 09:01 م

كانت المواجهة الأولى، المثيرة والصادمة للإسلام، بعد وفاة الرسول الكريم، مع ظاهرة الارتداد عنه، والدعوة إلى التراجع عن مشروع الإسلام الديني، وقد اشتهر ذلك في كتب التاريخ بما حصل في اليمامة من أرض نجد بزعامة "مسيلمة" و"سجاح"، وهناك مَن يقول إن الارتداد

كانت المواجهة الأولى، المثيرة والصادمة للإسلام، بعد وفاة الرسول الكريم، مع ظاهرة الارتداد عنه، والدعوة إلى التراجع عن مشروع الإسلام الديني، وقد اشتهر ذلك في كتب التاريخ بما حصل في اليمامة من أرض نجد بزعامة "مسيلمة" و"سجاح"، وهناك مَن يقول إن الارتداد جاء بسبب الأموال، أي الامتناع عن دفع الزكاة. 
لكن الارتداد في تلك المرحلة، كان يخرج عن اطار التخلي عن العقيدة الإسلامية، "والتبرؤ الشخصي" منها، بل كان "انقلاباً" بوسائل التعبئة العسكرية والمقاومة بكل الأساليب، للدعوة الجديدة، والتحريض على تقويض أركانها.
وانطلق الارتداد "مفهومياً" من نهاية الدعوة الاسلامية، ورسالة الوحي، بوفاة النبي محمد بن عبدالله. وبدأت حركة المرتدين من اطراف الدولة الجديدة وحواشيها الرخوة، حيث جاءها الاسلام في الغالب متأخراً، او متلازماً مع استتبابها، وتوسع نفوذها وسلطتها، مع ما كانت تحققه من بيئة مهيمنة. ولم تكن القبائل المرتدة قد تمثّلت الإسلام والقيم والمبادئ التي دعا الرسول والقرآن اليها، بقناعة وإيمان، بحيث استطاع "مدّعو النبوة" مثل مسيلمة، او "سجاح"، ان يكسروا هيبة الدعوة بكل أركانها، عند قبائل انحازت لدعواتهم، وهو مالم يكن ممكناً لو ان العقيدة الاسلامية كانت عميقة ونافذة في عقولهم وضمائرهم.
وقد وجد الخليفة الاول ابو بكر الصدّيق، وصحبه، ان الاحكام التي طبعت المواقف ايام الرسول، في حملات الدعوة للدين الجديد، هي القاعدة التي تسري في مواجهة ظاهرة الارتداد، باعتبارها اكثر خطورة، لأنها تستهدف تدمير ما بني، وما اصبح صرح دولة وعقيدة. ولم يكن ممكناً، من زاوية مواجهة ذلك الخطر، اعتماد وسائل الاقناع او التسامح او اعتماد الأساليب التي قد توحي للخصم الجديد، بالتهاون أو الضعف. فمثل تلك المواقف كان من شأنها أن تشيع الشك والريبة بين صفوف المسلمين، وتنشر داءهما في اركان الدولة، وهي في حالة قلقٍ وصراعٍ كامن، حول معنى ونتائج وفاة رسول يحمل دعوة الله، ويمثل رحمته في الأرض. والدولة تتنازعها الهواجس والتباينات، والاختلاف على ما أثارته "سقيفة بني ساعدة" من صراعٍ وتراشقٍ بين الأنصار والمهاجرين من جهة، وبين المهاجرين أنفسهم من جهة أخرى، وما خلفته من تداعيات، أسست لتغذية الفتنة في الإسلام الأول.
واستُدرِج الاسلام الاول، بعد تصفية حركات الردة، الى "تمردات" اتخذت طابع اختلافٍ في التفسير الايماني، المستند الى التباين في قراءة الآيات القرآنية والاحاديث النبوية، وحدود تطابقها مع مواقف واحداث، شهدتها مرحلة الخلافة المتعاقبة، وعبر عنها، كظواهر مفصلية، مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وحروب الخوارج، ووقائع التحكيم، ونهاية الخلافة الاسلامية، بانتقال السلطة السياسية الى معاوية وبني أمية، ثم تتالي الانتقالات الدموية، من عهدٍ الى آخر، حتى اختتامها، بسقوط الدولة العثمانية.
ان حدود التكفير، والتشدد في احكامه، من ردة وخروجٍ على طاعة الخلفاء الراشدين، وانبعاث للعصبيات التي تجاوزها الاسلام في مبادئه، وما ارتبط بكل ذلك من مظاهر الانغلاق والتطرف والعنف في المواجهات التي جرت في تلك المرحلة، انما عكست حالة القلق على الدين واركان دعوته، والخشية من عودة ظافرة للجاهلية، او تفرعات عنها. وارتبطت عميقاً بالخشية من عمليات وحروب انتقامٍ ترتد على العرب والمسلمين والجزيرة العربية، من اطراف الدولة الاسلامية الممتدة، ومن الامم التي اكتسحتها واحتلتها جيوش الفتح الاسلامي.
وقد تطورت المجتمعات الإسلامية، بعد ان توسعت حدود الدولة بالفتوحات، لتشهد مواقف اخرى، برزت في بعضها مراكز اجتهادٍ وحالات خروج على المألوف في قراءة القرآن والحديث والسيرة، ومظاهر تشي بضعف الإيمان، او الإنكار وما يشبه او يقترب من الهرطقة، ولم تجر مواجهة تلك الحالات بالغلو في تطبيق الأحكام والشريعة. لكن التشدد والتطرف اتخذ سبيله ضد الفرق والقوى التي تستهدف السلطة، وليس الدعوة الإسلامية واركانها التي تكرست وترسخت قيمها العامة في قناعات المسلمين وصارت شعائرها وطقوسها جزءاً حميمياً من حياتهم وعاداتهم المتوارثة، وجوهراً لعصبيتهم العقائدية، ضد الامم الاخرى، ومعتقداتها الدينية والدنيوية.
ومن تلك المناطق الملتبسة التي شهدتها العهود الاسلامية، على امتداد الحدود المترامية لدولة الخلافة، واختلاف بيئاتها، وتفاوت تطورها، وتكييف الاجتهادات بشأن المسائل التي تواجه المسلمين، وتتطلب تشريعاً من الأئمة والمجتهدين البعيدين عن مركز الخلافة والاجتهاد، تعددت المذاهب، وتنوعت الفرق، وتضاربت المقاييس بشأن القضايا الاشتراعية وتطبيقاتها.
ومن تلك الاختلاطات العقائدية، وممارساتها، والشذوذ في مسائل التحريم وحدود الشريعة، دون الاخذ بالاعتبار اختلاف البيئة والزمان، وتعدد الامم وطبائعها، استمدت الفرق التكفيرية المعاصرة ومذاهبها المتشددة، اتجاهاتها وأساليبها المتطرفة، في فهم الدين الإسلامي، وقواعده وتفسيراتها.
وبات استرجاع الاسلام في صدره، وفي مواجهته للردة والخروج على طاعة الخلافة الراشدة، قاعدة تقييم للتعامل مع حالة المجتمع الاسلامي الراهن، بوصفه "مجتمع جاهلية" ارتد عن الاسلام. جاء ذلك بقلم أبرز منظري الإسلام السياسي الجهادي سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق". وقبل إسلامنا السياسي ذي النزعة التكفيرية، بقرون، كان الخوارج، وهؤلاء قصتهم معروفة!
يتبع...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. داخل السومري

    خلال تاريخ البشرية الطويل ظهرت الاف الاديان والاله.ولاكني ومن خلال اطلاعي المتواضع لم اعرف عن دين جيش الجيوش وحشد اتباعه لفرض هذا الدين او ذاك بحد السيف غير الدين الاسلامي.ظهر نبي في بابل يقال له ماني وانتشر دينه من الصين الى اطراف المغرب وهو لم يحمل سيفا

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram