تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش التي تراقب حقوق الإنسان، اصدر الخميس حول أوضاع النساء عند حبل المشنقة في العراق، وهو ليس مجرد رصد عادي لنظام العدالة الناقص. كما انه لا يمثل مناسبة مملة للحديث عن ألم ينتاب مئات العوائل التي اعتقلت نساؤها، او ذريعة للاختلاف حول عدد النساء (٦٠ او ٦٠٠ او ٦ آلاف) وما يتعرضن له ومزاعم انتهاك شرفهن أثناء التحقيق.
يتملكنا شعور بالعار ونحن نقرأ شهادات عن امرأة واحدة قابلتها كاتبة التقرير الدولي، ووثقت تعرضها لتكسير الأسنان وحروق على ظهرها وذراعيها، قبل ان تشنق في صبيحة يوم ما من آخر شهور ٢٠١٣. وهو شعور لا يجعلنا ننسى ان نساء كثيرات ايضاً، حصدتهن المفخخات وأعمال العنف في البلاد بطريقة مؤلمة، حالهن حال الرجال. لكن متابعة التقرير الدولي تطرح علينا امراً اخطر.
ايرين ايفرز المحققة المختصة بشأن العراق، كتبت الجمعة بعضاً من ملابسات اعداد التقرير، ووضعت بين ايدينا سؤالاً كبيراً، فقد قال لها مسؤول بارز لم تحدد هويته: ان الاوضاع الصعبة في العراق ربما تدعوك الى عدم نشر التقرير، الذي قد يقلب المواجع ويثير المشاعر، ونحن على حافة حرب اهلية.
اما نحن فعلينا ان نتساءل مع الكاتبة: هل يمكن لتقرير حول وضع السجينات، ان يشعل حرباً اهلية، ام ان سياسات التعذيب الممنهج، ونقص العدالة في التعامل مع المتهمين وخصوصاً النساء، كانت سبباً اساسياً في تكوين الشعور العميق بالظلم، ودفعت أناساً كثيرين الى الكفر بالنظام السياسي، وولدت الثأر والثأر المضاد، وقدمت لتنظيمات الموت وداعش، خدمة كبيرة وأتاحت لها ان تتحدث بمنطق "المنقذ" مع شريحة واسعة تشعر بالاهانة والصدمة؟
لسنا بحاجة الى ان نتجادل كثيراً حول ما اذا كان عنف المسلحين هو السبب أولاً في جعل الاجهزة الامنية والقضائية "تفقد اعصابها"، خارج سياقات العدالة، ام ان رعونة اجهزة "الدولة" هي التي شجعت شريحة من العراقيين على الانخراط ضدها. وذلك لان الدولة (لا المسلحين) هي المسؤولة عن اقناع الجمهور بأن هناك نظاماً عادلاً هو بديل عن الثأر الشخصي. ان وظيفة الدولة تمنعها من الثأر المنفلت والانتقام من زوجة الارهابي وعائلته. ودور الدولة الغائب هو ان لا تمل ولا تكل من اقناع الناس بوجود مؤسسة عدالة هي بديل عن حروب القبائل.
ان الضابط الذي يعذب السجينات هو انتحاري بصيغة اخرى. الانسان الاخلاقي في داخله انتحر اثناء التحقيق، ولم يعد له وجود. الغريزة البدائية والحماقة في داخل الشرطي، فجرت نفسها وقتلت بقايا النظام. ان غياب العدل هو الذي يشجع المفخخات،كما ان صانعي السياسات الذين منعوا تصحيح ظروف الاعتقال والاستجواب وقرارات الاعدام، وكل المصفقين للاخطاء، مشمولون ايضاً بهذا "الانتحار الوطني" الذي يفجر غرائز التسلط ويمنع عراقيين كثيرين من الايمان بجدوى الدولة والتحول الديمقراطي، وهي حماقات الساسة التي تحول الوطن الى ميدان لتبادل انواع الجنون المميت.
لقد كتبت في حزيران الماضي عن حادثة تعرية لمعتقلة في سجن ديالى، تحت عنوان "تعرية القريبات: من الذي انتحر في النهاية؟" وختمته بالقول: ان اصرار الامم المتحضرة على توفير "عدالة شديدة" لمجرميها، ليس مجرد ترف حداثي. بل هو طريقة لتكريس النظام تمنع تحويل عوائل وقبائل وطوائف المتهمين بالجرم، الى مجرمين جدد يشعرون بالظلم وبكل الدوافع التي تبرر لهم كسر قواعد السلم الاجتماعي.
سنظل نسأل: من الذي تعرض الى التعرية والفضيحة في السجن، المرأة المعتقلة ام بربريتنا وحمقنا؟ من الذي انتحر أولا، فروسية وإنسانية المحقق، ام الغضب الاجتماعي المنفلت الذي يستخدم في تحشيد انتحاريين وارهابيين؟ ان المحقق الامني الفاسد، وأيضاً الرجل المتألم المظلوم الذي يتحول انتحاريا، شخصان عجزا عن تجنب الخيارات المتوحشة، وكفرا بمعنى الدولة، وكلاهما ينفجران في عقولنا كل يوم.
إعدام النساء: من الذي انتحر في النهاية؟
[post-views]
نشر في: 8 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 7
رحيم العكيلي
كم انت مبدع سرمد الطائي
رحيم العكيلي
كم انت مبدع سرمد الطائي
نهى عبد الكريم
اخي الكريم مع من تتحدث لا حياة لمن تنادي لان الموجودين في سدة الحكم اليوم هم أبعد ما يكون عن هذه المسلمات التي من شأنها إرساء عدالة حقيقية وأنهم جاءوا للسلطة بنهم على غريزة الثأر والمال والاستئثار بالسلطة ولعل الطريقة التي عوملت بها التساء والتي وصفت َشي
ستار العراقي
سرمد أنت تمسك العصا ليس من النصف ولكن من الثلاثة أرباع ، أنت تساوي بين المحقق السادي وبين السجينة ، أنت تفعل هذا لأنك لا تريد أن تكفر بعراقك الجديد الذي أصبح صنماً وأنت في غفلة ، فلأنك إن فعلت فسيكون ذلك موتك السريري مع إحترامي الصادق لك. الفرق بين الجلاد
نبيل
حسبي الله ونعم الوكيل هذا ليل على العراق ولا بد ان ينجلي
ام احمد
سيكون رد الحكومه بان السيد المالكى لايدري عن الذي يحدث فى السجون وانه هذه الكاتبه ماجوره قد تم الدفع لها لتشويه سمعه الحومه العراقيه في هذا الوقت الصعب وان حدثت فهي تصرفات فرديه لا علم للسلطات بها معذور السيد المالكى فهو لايدري عن الكهرباء ولا يدرى عن مشا
ستار العراقي
نبيل ، ينجلي عندما نتوحد ضد أعداء الشعب العراقي ،من أمريكا وإلى خامنئي ، مع التحيات