TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (٩)..حواضن التطرّف وبداياتها المؤَسِّسَة: الإخوان المسلمون

صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (٩)..حواضن التطرّف وبداياتها المؤَسِّسَة: الإخوان المسلمون

نشر في: 10 فبراير, 2014: 09:01 م

في مجتمعات دول الخلافة المتعاقبة، تأسيساً بدولة الأمويين، اكتسب الإسلام السياسي هويته من وظيفته "التبريرية" والساندة للسلطة السياسية، وانكفأ رجال الدين والأئمة الفقهاء في صوامعهم المعرفية، تساؤلاً وشرحاً واستزادة في التوسع بأصول الدين والتشريع، وفق

في مجتمعات دول الخلافة المتعاقبة، تأسيساً بدولة الأمويين، اكتسب الإسلام السياسي هويته من وظيفته "التبريرية" والساندة للسلطة السياسية، وانكفأ رجال الدين والأئمة الفقهاء في صوامعهم المعرفية، تساؤلاً وشرحاً واستزادة في التوسع بأصول الدين والتشريع، وفقاً لمقتضيات العصر وحاجات الناس والمجتمعات المتباعدة في الأمصار القصية.

وقد بدأت عملية فرز جديدة، بعد الحرب العالمية الاولى، حيث صعود حركة التحديث الديني والنهضة الفكرية والانبعاث التحرري السياسي. وعلى ضفة من هذا الحراك، ولدت جماعة الاخوان المسلمين في مصر، لتتحول الى ذراع سياسي كامن، يحمل مشروعاً دينياً مستقبليا تحت راية الإسلام والدعوة لاسترجاع سلطته على المجتمع ثم تكريسها في دولة "دينية" تعتمد الشريعة الإسلامية بأحكامها، ومقتضياتها الفرائضية. ثم استوت الجماعة عبر عقدين او اكثر من تأسيسها، على قواعدها المنتشرة لتُفصح عن توجهاتها "السياسية".

وبرز الإخوان في الأربعينيات، كقوة "عنفٍ" تمارس الاغتيال السياسي، لتأكيد وجودها وتكريس دورها القيادي في تقرير مصائر الامة المصرية. وجاء "انقلاب - ثورة" يوليو (تموز) ١٩٥٢، ليتدرج بالإخوان من شريك مؤثر من داخل جسد وقيادة الثورة، الى "متورطٍ" في عمليات عنف واغتيال ضدها، ومتهَمٍ بمحاولة اغتيال زعيم الثورة جمال عبد الناصر.
ورغم التطور الذي اجتازت مراحله الجماعة، وما تخلل الفصول المتقدمة منه، من مظاهر عنف وعمليات اغتيال، فان تحولها الجذري، من "جماعة دعوة" الى فصيل يمارس "العنف - الارهاب" في المجتمع، وإن ضد قيادات الدولة، ارتبط جذرياً بصعود سيد قطب، وتياره المتشدد، وهيمنته المطلقة على قيادة الإخوان، وجرها إلى تبني العنف المسلح، كأداة للدعوة ووسيلة لبلوغ السلطة وإقامة الدولة الإسلامية "الدينية". 
وقد ارسى سيد قطب ولايته العنفية، على ما جاء في كتابه الشهير "معالم في الطريق"، الذي تحول الى اهم مصدر للحركات الاسلامية المتطرفة، تغذت عليه ونمت به ثقافة العنف في مصر والعالم العربي والاسلامي. واستمد سيد قطب مفهومه "للحاكمية" من المرجع الهندي ابو الأعلى المودودي، لتكتمل به المنطلقات العقائدية المتشددة، لإشاعة ثقافة العنف في ترويض المجتمعات الاسلامية، وإعادتها الى "جادة الصواب".
وينطلق سيد قطب في تعاليمه التي ضمنها "معالم في الطريق"، من ان المجتمعات الاسلامية الراهنة انما هي مجتمعات "جاهلية" موصوفة بـ"الشرك"، ومجردة من التعاليم والقيم الاسلامية، كما كان عليه مجتمع قريش قبل نزول الوحي والتبليغ برسالة الإسلام وقرآنه المجيد. ان سيد قطب، وأتباعه وحملة تعاليمه التي تنكر الطابع الإسلامي لمجتمعات يضع لها توصيفات جاهلية، لا يستثني طرفاً او مذهباً او ملة من ملل الإسلام خارج دائرة التكفير والاستهداف. كما لا يفرق بين الدولة ورعاياها، لانهما معاً وعاء الضلالة والمروق عن الدين الحنيف. ففي وقت يرى الانحراف في المجتمع وأفراده، يحدد الدولة بوصفها راعية هذا الانحراف عن شرع الله وعباداته، والمسؤولة عن إشاعة كل ما يمت بصلة لمظاهر الافساد الاجتماعي والاخلاقي، بالوافد الغريب الآتي من الثقافات، المنزوعة الإيمان، الدنيوية، الكافرة.
ولم يكتف سيد قطب بمعالمه العقائدية التي تعتمد العنف المفرط كوسيلة تحقيق الاهداف النهائية للدعوة، بل يستحدث لجماعة الاخوان نواة تنظيمية صُلبة، داخل هيكلها القيادي، ويجعل منها وليّة على شؤون واتجاهات الجماعة، بيدها التوجيه الحقيقي، وارشادها، واختيار اولي الامر فيها من وراء الستار، كما فصّل في ترتيباتها كبار قادتها، ممن تركوا الاخوان، ونشروا اسرارها في كتب مرجعية، عنهم وعن تاريخهم، وقياداتهم، والمفهوم الرئيس الضابط لتنظيماتهم المبنية على الطاعة العمياء "السمع والطاعة" التي تجعل من عضو الجماعة كتلة صماء لا وعي ولا ارادة له، وهو ما يتيح الاندفاع في تنفيذ "المهمات الجهادية" الانتحارية، والانعزال عن المجتمع خارج دائرة الدعاة والمريدين والبيئة الدينية المغلقة.
إن التطرف المشبع بالتوجس من الآخر في المجتمع، باعتباره مجرداً من الإيمان، يخلق القاعدة المكينة للتيارات التكفيرية السلفية، لاختيار وسائلها العنفية في معالجة تناقضاتها مع المخالفين معها، ويظل التطرف يتغذى يومياً في المساجد المختارة، وعلى "هداية" الشيوخ الكارهين، بمفاهيم التحريم وتوسيع مداراته وتعبيراته التي تنفذ في اعماق لا وعي الدعاة المجبولين على تكفير المجتمع، والحلقات المغلقة والفتاوى التي تصيب كل ركن في الحياة، وتمس الافراد والجماعات.
وما دام المجتمع في نظر اخوان سيد قطب، والسلفية الجهادية، على ضلالة وكفر، فلا سبيل لتقويمه واعادته الى طريق الدين، سوى "الحاكمية" التي بموجبها، لا شرع، ولا حاكم الا الله. ولن يكون المنقذ من الضلالة، والمطبق لشرع الله، الا باعتماد ولاية اقطاب التيار الاسلامي "الديني" باعتبارهم وكلاء الله في الارض! وهي عودة بالوعي الى عصور السلف المضَلّل في التاريخ الاسلامي، حيث "الخليفة" ظل الله، والحاكم بأمره. وفي هذا النزوع التكفيري للمجتمع، وبإضفاء الضلالة عليه من جانب، اصبح الجهاد ضده بكل الوسائل، واجباً فرضاً.
لقد عكست كثرة من عمليات التصفية الجسدية ضد الكتاب والمفكرين والسياسيين، في العقود الاخيرة، ان ادوات تنفيذ الجرائم "الجهادية" كانوا من الاميين الذين لا يقرأون ولا يفقهون امراً من الاسلام وتعاليم الدين. مما يفضح طبيعة التنظيمات "الجهادية الارهابية" التي يبدو انها غير معنية بنشر التعاليم والقيم الاسلامية، بل تتحرك بدوافع لا يجمعها جامع مع الاسلام والدين.
وهذه السلوكية تؤكد ان هذه التنظيمات "تحلل" كل وسيلة واسلوب، وكل مالٍ حرام، أياً كان مصدره او تعارضه مع التعاليم والقيم الاسلامية، ما دام ذلك "يمدهم" باسباب القوة. وهذا ما تكشف عنه متاجرتهم بالمخدرات، واستخدامهم وسائل الخطف للحصول على الفدية مقابل الرهينة، وتنظيم الميليشيات وعصابات الجريمة المنظمة للحصول على الموارد المالية والسلاح.
ان المعادلة في نظر المتطرف في غاية الوضوح والبساطة:
ما دمت وكيل الله في تطبيق شرعه، ولا ولاية للدين في الدولة وعلى افراد المجتمع، فانت في مواجهة "كافر". وبقدر من جهل وتخييل يتبدى لاؤلئك الذين تم اجراء غسيل دماغ لهم، يلبسهم تيه المسطول، فانهم مسيرون على الاعتقاد، بانهم يعيشون في مجتمع قريش الجاهلي الوثني، وان ارادة الله وضعتهم في مواجهة الكفرة، فالى السيف والنبال، والى الجهاد لنحر اعداء الله...!
يتبع...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. دة . عبد علي عوض

    لماذا لم تتطرق الى أنّ حزب الدعوة الإسلامية هو يمثل حزب الاخوان المسلمين في الوسط الشيعي؟ .. وقد إعترفَ رائد الطائفية ابراهيم الجعفري والمالكي أن مصادر تثقيفهما هي كتابات حسن البنا وسيد قطب !! عليك أن تفضح الدعوة والصدريين والحكيميين لأنهم أعداء ثورة 14 ت

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram