اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عندما نستدعي الماضي إلى حاضر مرتبك

عندما نستدعي الماضي إلى حاضر مرتبك

نشر في: 12 فبراير, 2014: 09:01 م

نحتاج إلى الماضي أحيانا لنرمم انكسارات حاضرنا المرتبك، لكننا في لحظة نكتشف أننا متورطون بزمن متصل من الخيبات، يزيدها عمق الكشف غموضا.
الماضي هو ما يستعين به أصغر فرهادي الذي لم تسكره نشوة الأوسكار التي عاشها قبل عامين عندما انتزعت رائعته التي عدها الكثيرون حدثا سينمائيا كبيرا (انفصال نادر وسيمين) الفيلم الأجنبي الأفضل، ليقدم لنا فيلما آخر يشتغل في الهم نفسه العائلة وتفاصيلها يستعين هنا بالماضي بوصفه مدخلا للثيمة نفسها التي قدمها لنا في فيلمه المتوج (انفصال..).
أصغر فرهادي واقتفاء لخطى معلّمه ومواطنه كياروستامي في سبر التفاصيل العائلية يشتغل بالموضوع نفسه، ولكنه خلافا لكياروستامي يرحل بها (خارج) مكانها الطبيعي. فاذا كان الأخير قد تخطى في أفلامه الأخيرة جغرافية موضوعاته إلى حيث انشغالات عالمية عن الوحدة  والهوية الإنسانية (نسخة مصدقة)، (عاشق مثالي)، فإن فرهادي قد انتقل بموضوعاته إلى حيث الهم الإنساني في كل مكان، وخاصة عندما يفرض المشكل المحلي وجوده في ثقافة أخرى.
أحمد (علي مصطفى) الإيراني القادم إلى باريس بعد غياب أربعة أعوام لينهي إجراءات طلاقه من زوجته الفرنسية ماري (برنس بيجو) منهيا وضعا اجتماعيا له، لكنه –يا للمفارقة- يجد نفسه في بداية وضع آخر، أقرب إلى تصفية حساب منه إلى أي شيء آخر.
فرهادي يستدعي الماضي بشخص أحمد، فيما يواجه الأخير الحاضر بتفاصيل يصبح الماضي فيها رهاناً آخر لهذه الشخصية في محاولة فك الاشتباك في علاقة هذه الشخصيات، وما يتجلى عنها من أوجاع وهموم، استطاع فرهادي بحنكة مخرج نبه وهو يعالج سيناريو كتب بحرفية عالية أن يعتني بالشخصيات، مثلما تتجلى منه الأحداث بحبكة صانع ماهر.
إنها حكاية تعتني بالتفاصيل الصادمة بل  حتى الألغاز التي من شأنها تغيير مسار القص السينمائي بما يمنح الموضوع كماله.
وكما في فيلمه (انفصال..) فإن فرهادي يقدم الشخصيات دفعة واحدة  من دون ان يمنح المشاهد فرصة سبر أغوارها بالعجالة نفسها، بل يجعل انخراطها في الحدث بالتدريج سببا في اكتشاف دواخلها على طول زمن الفيلم.
استقبال ماري لأحمد وحوارهما في السيارة في الطريق من المطار يجعلنا نقف عند حدود هذه العلاقة وسبب اللقاء، لكننا أيضا نقف عند بعض تفاصيل هذه العلاقة التي يفترض ان يكون هذا اللقاء بداية نهايتها، خاصة مع رغبة أحمد في معرفة أحوالها بعد فراق دام أربعة أعوام وارتباكها من هذا اللقاء.
ثم يضعنا المخرج في علاقات متداخلة تضج بمشاكل الحياة اليومية، والخيانات، والريبة.. ماري وابنتاها من زيجتين سابقتين، وسوء الفهم واللاتواصل بينها وبين ابنتها المراهقة، ثم سمير (طاهر رحيم) الشاب العربي عشيقها، وابنه من امرأة أخرى، وعلى هامش هذه العلاقات هناك العاملة المغربية التي تعمل مع سمير في ورشته والتي سيكون لها فعل في مأساة زوجة العشيق، تغذي هذه العلاقات مشاكل تبدأ بين ماري وابنتها المتحفظة عن علاقة أمها بعشيقها وكرهها لهذا الأخير ثم وشايتها في إبلاغ زوجة العشيق (التي تعاني الاكتئاب ثم الغيبوبة في أحد المستشفيات) من خلال سرقة البريد الإلكتروني لوالدتها.
يجد أحمد الزوج القادم من طهران نفسه وسط هذه الدوامة من العلاقات المشحونة بالشك والخيانة والتباس القصد. يحاول ان يرمم ما يمكن ترميمه في هذه الشخصيات المأزومة، هو إذن الماضي الذي تستعين به دائرة هذه العلاقات.
ما يحسب لفرهادي أسلوب عرضه لهذه الحكاية من دون ادعاء، أو حشو، أو تضخيم،  التي يتجلى بها فعل الشخصيات المرسومة بدقة ، خاصة مع الأداء المذهل لممثليه  (برينس بيجو) في تعابير الوجه والانفعالات وحتى الصراخ، وهو الدور الذي انتزعت به الممثلة الأفضل في كان، وفرصتها في التعويض عن دورها الصامت في (الفنان) ، وطاهر رحيم الجزائري الذي أدهشنا قبل ثلاثة أعوام بدوره في فيلم (نبي).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram