بعد قيامها باستدارات مفاجئة صوب بغداد وطهران، لم يكن مفاجئاُ استدارة زعيمة الإسلام السياسي إلى إسرائيل، الحليفة القديمة لتركيا، فقد أعلن وزير الخارجية التركي أن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين باتت أقرب من أي وقت مضى، وأن المحادثات بينهما شهدت في الآونة الأخيرة زخماً ونهجاً جديدين، وأن معظم الخلافات جرى تخطيها تقريباً، وكشف أوغلو أن تركيا وإسرائيل أصبحتا قريبتين من توقيع اتفاق تطبيع علاقاتهما، ولذر الرماد في العيون، التي كانت تتطلع بأمل إلى دور تركي إيجابي ومتميز في المنطقة، أتحفنا صاحب نظرية صفر مشاكل بالقول، إن على إسرائيل المبادرة إلى تخفيف الحصار على غزة، وأن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي التركي في تل أبيب، يستهدف مراقبة مسألة تخفيف الحصار على غزة.
أمّن على هذه التصريحات مسؤولون إسرائيليون، أكدوا أن الفجوات بين الطرفين تضاءلت، فيما يتعلق بمسألة التعويضات لعائلات ضحايا سفينة مرمره، شريطة سن قانون لا يتيح تقديم دعاوى ضد الجنود والضباط الإسرائيليين وإلغاء الدعاوى المرفوعة كذلك، والامتناع عن رفع دعاوى مماثلة في المستقبل، بينما ترفع إسرائيل عدد عمال البناء الأتراك المسموح لهم بالعمل في إسرائيل، وبموجب الصفقة سيعيد الطرفان العلاقات العسكرية الأمنية والتجارية إلى سابق عهدها، وهي علاقات ابتدأت عام 1949 حين اعترفت تركيا بإسرائيل، وكانت الدولة الإسلامية الثانية بعد إيران.
معروف أن العلاقات التركية الإسرائيلية ازدهرت قبل عقدين استراتيجياً، استناداً إلى مواجهتهما نفس التحديات والهواجس الأمنية والأولويات الجيوبوليتيكية، خصوصا رؤيتهما لما كانت تمثله سوريا فى تلك الفترة، إضافة لتوافقهما حول أهمية التصدى لنمو نفوذ الإسلام السياسى، غير أن هذه الفترة الذهبية تعثرت بوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وانحسار نفوذ المؤسسة العسكرية العلمانية في تركيا، حينها لم يعد التصدي لتنامي نفوذ الإسلام السياسي هدفاً، بقدر تحوله إلى تناقض، ازداد بتحسن العلاقات التركية السورية، حيث انزوت نظرة العداء التركية لدمشق، ما أفقد إسرائيل حجة العدو المشترك، الذي كانت تركيا تسعى إلى احتوائه، عبر تحالف قوى معها.
انتقلت العلاقات إلى التوتر وبات مستقبلها غامضاً، بعد تعثر انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفقدت الورقة الإسرائيلية جدواها في هذا الإطار، كما أن أي تحالف استراتيجي يتطلب حداً أدنى من الثقة، وهذه فُقدت بعد أنباء عن وقوف إسرائيل وراء تفجيرات حزب العمال الكردستاني، والعمل على تحريك الكرد للنيل من استقرار تركيا والمساس بأمنها القومي، رداً على فكرة أسطول الحرية، إضافة لتراجع نفوذ المؤسسة العسكرية التركية، والمعارضة الشعبية لعلاقات متميزة مع الدولة العبرية.
لم يكن منتظراً أن تصل العلاقات إلى حد القطيعة، فأنقرة تعرف عواقب ذلك، وهي الساعية إلى تعزيز مكانتها الإقليمية، عبر القيام بدور محوري وأساسي لإنجاز السلام، والإسهام في حل النزاعات وتحقيق الاستقرار الإقليمي، ومؤكدة المخاوف التركية من فقدان دور وسيط السلام، والتحول إلى طرف في النزاع الشرق أوسطي، وتدرك أنقره أن تأثر علاقاتها سلباً مع تل أبيب سينعكس على علاقاتها مع واشنطن، بشكل يُفقد حكومة أردوغان ما تحظى به من مباركة ودعم أمريكيين، والواضح اليوم أن تركيا بصدد استعادة زخم علاقتها العسكرية التسليحية مع إسرائيل، بعد أن اعتمدت عليها طويلاً في تسليح جيشها، وتحديثه وإمداده بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة.
لم تكن إسرائيل راضية عن الدور الذي ظنت تركيا إمكانية أن تلعبه، وأتت الاتفاقية حول تعويضات سفينة "الحرية" لتعطي لاردوغان الذريعة للعودة إلى العلاقة الدافئة مع إسرائيل، وهو ما استمر عقوداً، وسيستمر طويلاً.
أنقرة: إلى إسرائيل دُر
[post-views]
نشر في: 12 فبراير, 2014: 09:01 م