TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (10)..عودة الدين إلى ملاذات الدولة الشمولية..

صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (10)..عودة الدين إلى ملاذات الدولة الشمولية..

نشر في: 12 فبراير, 2014: 09:01 م

مهّد صعود الاخوان المسلمين في مصر وامتداد التنظيمات الاخوانية في بلدان عربية وإسلامية تحت مسميات مختلفة، لظهور نمطين متجاورين، مترابطين، مع بعض الاختلاف والتباين، من الصراع في المجتمعات العربية الاسلامية: الصراع داخل المجتمع تحت شعار احياء القيم الاس

مهّد صعود الاخوان المسلمين في مصر وامتداد التنظيمات الاخوانية في بلدان عربية وإسلامية تحت مسميات مختلفة، لظهور نمطين متجاورين، مترابطين، مع بعض الاختلاف والتباين، من الصراع في المجتمعات العربية الاسلامية: الصراع داخل المجتمع تحت شعار احياء القيم الاسلامية، ونبذ الافكار والقيم الغريبة والدخيلة عليه، من داخله ومن الاخر المضاد الوافد، وقد عرف هذا بالصحوة الإسلامية فيما بعد.
والصراع المتميز بالاصطفاف مع النظام السياسي، وسلطته، في مواجهة حركات التقدم والتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي.
وكلما كان الحراك السياسي - الاجتماعي اكثر تجذراً ونفوذاً، كان الميل نحو الاصطفاف مع الدولة "النظام - السلطة" في مواجهة حركات التغيير والتقدم، أشد وضوحاً وأعمق تأثيراً في الاوساط الشعبية المتروكة للأمية والفقر والجهل السياسي.
وقد شهد النصف الاول من القرن العشرين، نهوضاً عارماً للحركة الوطنية الشعبية، على قاعدة النضال في سبيل التحرر الوطني والاقتصادي والاجتماعي ضد الهيمنة الاستعمارية من جانب، وفي مواجهة الظلم والعسف واللامساواة في المجتمع، من جانب آخر.
ولم يكن ممكناً الفصل بين النضالين، الداخلي والخارجي، ضد الاستعمار من جانب، وضد الاقطاع والطبقات والفئات الطفيلية المعتاشة على فضلات الأجنبي من الجانب الآخر. وهذا الترابط صار هدفاً لشريحة من وعاظ السلاطين ممن يعتمرون لفائف رجال الدين، في غيبة من صحوة رجالاته البارزين، واحياناً في مواجهتهم.
واستطاع الوعاظ، وعدد غير قليلٍ من الاوساط الدينية امرار كمائن الدوائر الاستعمارية المهيمنة على ارادة الدولة الشمولية التابعة، وكانت تشكل بمجملها، على كل حال، النظام العربي- الاسلامي الرسمي، والسعي لاظهار الصراع الوطني، بمضامينه الاجتماعية التقدمية، كمنازلة بين القيم والشرائع السماوية والافكار الوافدة "الهدامة- الدخيلة" على تقاليد المجتمع وأفكاره وعاداته المتوارثة. وفي مناخات هذه "المنازلة" تأسست منظمات وحركات وأحزاب دينية، تنطلق من الوقوف ضد الحركات والأحزاب "الهدامة- الملحدة"، أي في مواجهة الحركة الوطنية بكل فصائلها، دون تمييز، مستندة الى حيثيات الدولة الشمولية "القانونية" في محاربة هذه الفصائل، وتكفيرها، ومحاولة عزلها عن جماهيرها، ونبذها اجتماعياً.
وكان برنامج "على مائدة القرآن" الإذاعي، على سبيل المثال، أحد الادوات والوسائل التحريضية التي برزت في الخمسينيات في مواجهة المد الوطني في العراق. كما برزت صيغٌ مماثلة اخرى في البلدان العربية والاسلامية. وجرى استخدام مساجد ومناسبات دينية، لاشاعة مناخٍ شعبي، متشكك بما يدور حوله من صراع تخوضه الحركة الوطنية، وفي اي اتجاه يتبدى استهدافها للدين وقيمه وشعائره. وقد استفادت قوى الاسلام السياسي الرسمية من بعض ردود الفعل "الطفولية" في الحركة الوطنية، التي ابتلعت "الطعم" ولم تفرق بين دعوات الطارئين على المؤسسة الدينية من وعاظ السلاطين، ورجالات الدين الافاضل الذين ساندوا العمل الوطني، حيث شاركت قامات بارزة منهم في النشاطات والفعاليات الداعمة. وبدا احياناً، كما لو ان  النضال الشعبي الوطني، يرى في المؤسسة الدينية، ومراجعها دون تمييز، هدفاً له. ودخلت الاجهزة الامنية والطابور الخامس على خط النشر الواسع للاشاعات المغرضة المشوهة التي استلّت لتغذية حملتها، عبارات وجملاً من مفكرين كبار،  مقطوعة عن سياقاتها التاريخية، ومفرّغة من معانيها، مثل قول كارل ماركس الشهير "الدين افيون الشعوب" الذي قيل في وصف النشاط الكنسي في حقبة بيع "صكوك الغفران"، وحين شاركت الكنيسة في ردع الحركات الشعبية المناهضة للأنظمة الملكية الثيوقراطية المستبدة في وأوربا، دون ان يقترب في معناها من العالم العربي والدين الإسلامي.
لقد شهد الصراع الوطني في عموم البلدان العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، اندماجاً عضوياً بين التحرر السياسي والاجتماعي. وفي بلدٍ مثل العراق، على سبيل المثال، كان الاقطاع العدو الطبقي المباشر للطبقة الاوسع والاكثر مظلومية في المجتمع العراقي. وكان الاقطاع و"الكومبرادور" الطفيلي القاعدة الاجتماعية للسيطرة الاستعمارية على العراق، ونتاجاً لها، ولم يكن ممكناً فصل النضالين عن بعضهما، او تأجيل احدهما، وعدم ادراجه في برامج وشعارات الاحزاب الوطنية والنقابات العمالية والجمعيات الفلاحية والمهنية.
وكان خيار وعاظ السلاطين، الوقوف بوضوح وبالاعتماد على مفاهيم مسطحة للدين وآياته وتراثه، ضد مطالب الفلاحين العادلة وشعاراتهم مثل ان "الارض لمن يفلحها" و"الفلاح أخو الفلاح وعدوهما الإقطاع". ولعب هذا الموقف دوراً تنويرياً عميقاً بين صفوف الفلاحين الفقراء، الذين انتبهوا الى عملية تشويه اغراض الاحزاب الوطنية التقدمية وأهدافها. وعلى نفس المسار كان يحتدم الصراع مع الاتجاهات الرجعية المتلفعة بعباءة الدين، على اكثر من محور وفي ميادين التحديث الثقافي والاجتماعي، حيث جرت مواجهة حركة تحرير المرأة بوصفها نصف المجتمع "المعطّل الأسير" في البيت، والتنديد برافعي شعاراته والمطالبين بتحقيقه.
ونظرة متأنية لمشهد تلك المرحلة تكشف اشتداد الصراع على هذا الصعيد بين الإسلام السياسي وحركات التحرر والتقدم، في البلدان التي تتميز بتعزز مواقع القوى الاجتماعية الجذرية الناهضة، الطامحة للتغيير والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وكانت مصر في طليعة المنطقة، ومعها العراق وسورية والسودان، التي شكلت مجتمعاتها منصاتٍ متقدمة في النضال ضد الإمبريالية والرجعية ووعاظ السلاطين كاسري حركات التحرر والتقدم وأدوات الدولة الشمولية.
وفي طيّات هذا، تغذّى التطرف والتشدد، في المجتمعات العربية الاسلامية من عباءة تلك المرحلة، لتصير لهما أُطُرٌ وأحزاب وادوار بالغة السطوة على المجتمع وشديدة الوقع على نبضه ومستقبل خياراته على طريق التطور، مع تهيئة فكرية عن طريق ما نُظر للحاكمية والثورة الدينية على المجتمعات الجاهلية، حسب ما وصفوا به مجتمع المسلمين، فتدرّج الأمر مع وجود ظروف مساعدة كقضية أفغانستان، والتدرب على الجهاد انتحاراً، فالثورة الإيرانية، التي جذبت الإسلام السياسي السُّني بقوة، فصارت في مخيلتهم الدولة الإسلامية الشمولية قاب قوسين أو أدنى.
يتبع...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. شكري العراقي

    العزيزالغالي ابانبيل تحياتي لكم والى المزيدمع فائق التقدير

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram