TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من ينقذ محمد فارس ؟

من ينقذ محمد فارس ؟

نشر في: 14 فبراير, 2014: 09:01 م

حمدا لله أنني عملت في الصحافة المكتوبة فالعمل الإعلامي يحتاج الى التعامل مع المادة الإعلامية بلا تفاعل عاطفي والا لتحولت تقارير المراسلين الى أفلام هندية.
أقول هذا بعد ان التقيت الطفل محمد فارس في احتفالية أقامتها دار ثقافة الأطفال للأيتام لمنحهم شيئا من الترفيه خلال العطلة الربيعية ..حاولت ان اسأله عن مدى استمتاعه بالاحتفالية خاصة وانه توجه الى المرسم ..عرفت منه انه فقد والده مؤخرا واضطر الى مغادرة المدرسة ليعمل في أمانة بغداد ويعيل أسرته.. سبقتني دموعي وانا أرى الحزن واليأس العميقين في عينيه البريئتين وأتابع أصابعه وهي تمسك بالألوان بإصرار لترسم عائلة تتنزه في أجواء ربيعية..
ضمت الاحتفالية اكثر من 150 يتيما ..كلهم فقدوا الدفء العائلي واعتادوا الحرمان لدرجة ان احتفالية بسيطة ضمت أنشطة متواضعة وهدايا اكثر تواضعا كانت تعني لهم الكثير وكأنهم يتنزهون في مدينة (دزني لاند ) ..انهم يبحثون عن الاهتمام قبل الترفيه ..يبحثون عن وجوه تبتسم لهم بحب وأيدي تمتد لهم بالإحسان والرعاية لينفصلوا للحظات عن عالمهم القاسي ..بعضهم انحدر من عوائل فقيرة جدا زادها فقرا فقدان الأب وبعضهم الآخر قادر على مواجهة الحياة ماديا لكن حرمانه من الدفء الأسري يرتسم في عينيه ، أما محمد فارس فهو الأكثر إيلاما لأنه لم يعد قادرا على الحلم والتمسك بالأمل بعد مغادرته المدرسة ..انه (عامل بلدية ) ولن يتغير حاله بعد ان تحصل والدته على راتب الرعاية الاجتماعية فهو لا يكفي لسد معيشة أسرة لم يترك لها معيلها الراحل راتبا تقاعديا ..
في بداية شهر شباط الجاري ، أعلنت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة ضحايا العراق ( اليونامي ) عن إحصائيتها التقديرية للقتلى العراقيين في شهر كانون الثاني الفائت وفي بغداد وحدها فظهر ان الخسائر البشرية بلغت 618 قتيلا يضاف اليهم مئات الجرحى ويتناقص العدد قليلا في بقية المحافظات أما في الأنبار حيث ما يزال القتال مستمرا، فقد تجاوز عدد القتلى في كانون الثاني وحده الـ(140 ) .. واذا افترضنا ان نصف عدد القتلى العراقيين من المتزوجين فسيتضخم لدينا عدد الأيتام ليفوق قدرة الدولة العراقية والمنظمات الخيرية على التعامل معه – كما ذكر علي الدباغ –الناطق السابق باسم الحكومة العراقية في لقاء اجري معه قبل إبعاده عن منصبه وكان قد القى فيه ذنب الأيتام على عاتق النظام السابق وتبعات حروبه الطويلة وحصاره الاقتصادي ..
نحن الآن خارج نطاق الحروب الطويلة والحصار الاقتصادي لكننا نعيش حربا يومية ومستمرة مع القدر منذ ان غادر الموت جبهات القتال والمستشفيات وصار رفيقنا الدائم في تنقلاتنا اليومية.. وبالتالي يتزايد عدد قتلانا ومعهم أيتامنا ويغادر المدارس مئات من أشباه محمد فارس ليعيلوا أسرهم بينما تستمر المزايدات الانتخابية على تأييد قرار تقاعد النواب او رفضه ويناضل النواب ( المساكين ) لدفع تهمة الموافقة عنهم فقد جاءوا لخدمة الشعب ، لكنهم لن يرضوا بمكافأة نهاية الخدمة بل براتب تقاعدي ( اعتباري ) كما صرحت النائبة فيان دخيل موضحة بان النائب حين يتقاعد لابد وان يكون له مصدر رزق مناسب لمكانته ..أتساءل ..هل كان نوابنا يعملون في ( البلدية ) قبل دخولهم البرلمان ام كانت لديهم مهن مناسبة ؟...اكتفي بهذا القدر لأني اخشى ان تسبقني دموعي وانا أتخيلهم براتب تقاعدي فقير لا يكفي لترفيه أسرهم في دول العالم وضمان مستقبل أبنائهم في البنوك الخارجية ..لكي لا يصبحوا مثل ( محمد فارس ) ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram