حمدا لله أنني عملت في الصحافة المكتوبة فالعمل الإعلامي يحتاج الى التعامل مع المادة الإعلامية بلا تفاعل عاطفي والا لتحولت تقارير المراسلين الى أفلام هندية.
أقول هذا بعد ان التقيت الطفل محمد فارس في احتفالية أقامتها دار ثقافة الأطفال للأيتام لمنحهم شيئا من الترفيه خلال العطلة الربيعية ..حاولت ان اسأله عن مدى استمتاعه بالاحتفالية خاصة وانه توجه الى المرسم ..عرفت منه انه فقد والده مؤخرا واضطر الى مغادرة المدرسة ليعمل في أمانة بغداد ويعيل أسرته.. سبقتني دموعي وانا أرى الحزن واليأس العميقين في عينيه البريئتين وأتابع أصابعه وهي تمسك بالألوان بإصرار لترسم عائلة تتنزه في أجواء ربيعية..
ضمت الاحتفالية اكثر من 150 يتيما ..كلهم فقدوا الدفء العائلي واعتادوا الحرمان لدرجة ان احتفالية بسيطة ضمت أنشطة متواضعة وهدايا اكثر تواضعا كانت تعني لهم الكثير وكأنهم يتنزهون في مدينة (دزني لاند ) ..انهم يبحثون عن الاهتمام قبل الترفيه ..يبحثون عن وجوه تبتسم لهم بحب وأيدي تمتد لهم بالإحسان والرعاية لينفصلوا للحظات عن عالمهم القاسي ..بعضهم انحدر من عوائل فقيرة جدا زادها فقرا فقدان الأب وبعضهم الآخر قادر على مواجهة الحياة ماديا لكن حرمانه من الدفء الأسري يرتسم في عينيه ، أما محمد فارس فهو الأكثر إيلاما لأنه لم يعد قادرا على الحلم والتمسك بالأمل بعد مغادرته المدرسة ..انه (عامل بلدية ) ولن يتغير حاله بعد ان تحصل والدته على راتب الرعاية الاجتماعية فهو لا يكفي لسد معيشة أسرة لم يترك لها معيلها الراحل راتبا تقاعديا ..
في بداية شهر شباط الجاري ، أعلنت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة ضحايا العراق ( اليونامي ) عن إحصائيتها التقديرية للقتلى العراقيين في شهر كانون الثاني الفائت وفي بغداد وحدها فظهر ان الخسائر البشرية بلغت 618 قتيلا يضاف اليهم مئات الجرحى ويتناقص العدد قليلا في بقية المحافظات أما في الأنبار حيث ما يزال القتال مستمرا، فقد تجاوز عدد القتلى في كانون الثاني وحده الـ(140 ) .. واذا افترضنا ان نصف عدد القتلى العراقيين من المتزوجين فسيتضخم لدينا عدد الأيتام ليفوق قدرة الدولة العراقية والمنظمات الخيرية على التعامل معه – كما ذكر علي الدباغ –الناطق السابق باسم الحكومة العراقية في لقاء اجري معه قبل إبعاده عن منصبه وكان قد القى فيه ذنب الأيتام على عاتق النظام السابق وتبعات حروبه الطويلة وحصاره الاقتصادي ..
نحن الآن خارج نطاق الحروب الطويلة والحصار الاقتصادي لكننا نعيش حربا يومية ومستمرة مع القدر منذ ان غادر الموت جبهات القتال والمستشفيات وصار رفيقنا الدائم في تنقلاتنا اليومية.. وبالتالي يتزايد عدد قتلانا ومعهم أيتامنا ويغادر المدارس مئات من أشباه محمد فارس ليعيلوا أسرهم بينما تستمر المزايدات الانتخابية على تأييد قرار تقاعد النواب او رفضه ويناضل النواب ( المساكين ) لدفع تهمة الموافقة عنهم فقد جاءوا لخدمة الشعب ، لكنهم لن يرضوا بمكافأة نهاية الخدمة بل براتب تقاعدي ( اعتباري ) كما صرحت النائبة فيان دخيل موضحة بان النائب حين يتقاعد لابد وان يكون له مصدر رزق مناسب لمكانته ..أتساءل ..هل كان نوابنا يعملون في ( البلدية ) قبل دخولهم البرلمان ام كانت لديهم مهن مناسبة ؟...اكتفي بهذا القدر لأني اخشى ان تسبقني دموعي وانا أتخيلهم براتب تقاعدي فقير لا يكفي لترفيه أسرهم في دول العالم وضمان مستقبل أبنائهم في البنوك الخارجية ..لكي لا يصبحوا مثل ( محمد فارس ) ..
من ينقذ محمد فارس ؟
[post-views]
نشر في: 14 فبراير, 2014: 09:01 م