TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صبراً فلسنا صفقة نفط او بنادق

صبراً فلسنا صفقة نفط او بنادق

نشر في: 15 فبراير, 2014: 09:01 م

صديق فاضل كان يرأس مؤسسة اتحادية مهمة، ووقف بشجاعة نادرة ضد محاولات رئيس الحكومة ابتلاعها وتجاوز طابعها الدستوري المستقل، وظل حتى بعد ان خسر منصبه في واحدة من صولات المالكي الادارية، مؤثراً يضع يده على الخلل، ويساعدنا في فهم كثير من الجوانب القانونية المتعلقة بالصراع الدائر في بلادنا، بين الغرائزية المتخلفة، ومحاولات ارساء اسس الحداثة السياسية.
وجدت الصديق الاديب اليوم يتحدث عن الإحباط، بينما كنت اسأله عن سلسلة من المضايقات الرهيبة التي يتعرض لها منذ سنوات، على يد اتباع المالكي في هذه البلاد. ولم اكتمه أنني انا وسواي، نمر بلحظات جزع حقيقية، والامر طبيعي، اذ نحلم بدولة الحداثة السياسية، ونضطر الى اكمال المشوار ونحن نشهد على درب من دماء شعبنا، اذ يصطادهم الغدر والارهاب وخواء السياسة.
وأقول "نضطر" رغم فداحة الثمن، اذ لا خيار آخر سوى دولة حديثة تقبل التنوع السياسي، وتمنع تكريس السلطات بيد فرد، وقد امضينا العقود الاخيرة بيد افراد أوردوا شعبنا المهالك، دونما هدف سوى تتويجهم ابطالاً، حتى في قعر الهزائم.
نحن مضطرون ان نتجرع كل هذه المكاره، ولحظات تكوين الحداثة السياسية، هي الاصعب، اذ تتطلب ان تواصل اقناع الناس بتجربة شأن جديد لا يعرفونه، وأن تتوقع اثناء ذلك هجمة شعواء من ساسة يعتاشون على تخلف المجتمع وفقره وجهله. ان مهمة هؤلاء اسهل، لانهم يبنون على قديم راسخ، يستمد مشروعيته من تاريخ استبداد طويل، وهو استبداد ظل يقول للناس لقرون، انه منقذهم من الفوضى، وأن عليهم القبول به مستبداً يزعم انه قوي قادر عالم، كي لا يغرقوا في حبائل الغوغاء. بينما يطلق هذا المستبد غوغاءه الخاصة، ليتلاعب بمصائر الناس ويبدد مستقبل الشعوب كما يزين له عقله الفاسد. والنتيجة اننا خارج سباق الحضارة منذ ألف عام!
قد يصاب صديقنا الفاضل باليأس لحظة، وربما شعر كل انصار الحرية بهذا، لكن الجهود التي يقومون بها، والتضحيات التي نشهدها، هي الشرط الذي بدونه، لن ترسخ قاعدة حديثة في البلاد. التحول سيتأخر، كأي حركة تاريخ بطيئة، وقد لا يتاح لنا الوقت لنرى ثماره القصوى، غير ان الاستسلام للفريق الممسك بالسلطة، سيجرد المستقبل من كل ضوء، وسيفضحنا امام العالم المتحضر، كأمة عاجزة ويائسة، لا تستحق سوى دكتاتور يعبث بفلوس النفط وبنادق موسكو وواشنطن.
الحراك السياسي الاحتجاجي الذي قام به نفر من ابناء هذه البلاد، ليس بلا أثر. وبغض النظر عن ان النفر المحدود يعبر عن شريحة واسعة اختارت الصمت (او قامت بتأجيل الكلام) نتيجة شكوكها وريبتها، فإن العالم من حولنا يدرك بنحو اوضح اليوم، وبفضل جهد احتجاجي صادح، بذله ساسة وذوو رأي وتكنوقراط، ان العراق اكبر من ان يجري ابتلاعه ببضعة صفقات نفط او بنادق، وأن احترام التعدد السياسي مطلب اقوى من الطائفة، وأن ممثلي طائفة الحاكم هم في طليعة منتقدي سياساته، وأنه لا يمكن لبضعة عواصم ان تتلاعب الى الابد، بصفقة الحكومة.
في المرات السابقة، كان هناك خارج قوي متماسك، وداخل مرتبك غير متآلف. كانا يتصارعان فيفرض الخارج مرشحه للحكومة، رغم انف كل الاعتراضات. اما هذه المرة فإن الخارج مرتبك ومتردد ومتناقض بشأن المالكي، بينما الداخل قوي ومتماسك بشأن رفض نهجه في حكم العراق. ان هذا التحول في الصورة، يعود فضله الى فريق عراقي شعر باليأس مرات ومرات، لكن طعم الحرية على لسانه، يمنحه الشجاعة، ليدرك ايضا ان التضحية على مسار الاصلاح السياسي، لن تتوقف حتى بعد تغيير المافيا التي يتزعمها المالكي، وأن أخطاء نهجه ليست سوى مناسبة لتذكيرنا، بأن التحول الى نمط حديث في ادارة الخلافات، يحتاج الى حزمة ضمانات، أولها ان لا نخاف، وأن نتحاشى اليأس، ونصبر على بطء التاريخ.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. ابو سجاد

    استاذ سرمد هل لك ان تثبت لنا ان الخارج مرتبك والداخل متماسك وماهو الخارج والداخل الذي تعنيه وكيف تثبت لنا ان طائفة الحاكم في طليعة منتقدي سياساته وكيف لاتستطيع تلك العواصم التي تعنيها ان لاتتلاعب الى الابد بصفقة الحكومة اما ان نصبر على التاريخ يااخ سرمد ا

  2. كاظم الأسدي

    نعم استاذ سرمد .. فبشجاعتك التي قابلت بها مكائدهم !! وتفاؤلك الذي أجزعهم !! وصبرك الذي يرعبهم !!وقلمك الذي يعريهم !! سنكتسح كل أشكال المافيات ومهما تعددت مصادر نشأتها وبقاءها ؟؟

  3. نبيل

    نعم يجب على الكل الخروج من العبائه الطائفية كيف نسطيع ان ننقلب على انفسنا والله قبا 2003 الناس ما كانت تعرف جارها سني ةالا شيعي انا اعرف العراق جيدا وخاصة ديالا بدون ذكر بغداد نبيل من الاردن لم يكن نظام ديمقراطي مرة وجهنا سؤال لطارق عزيز ليش

  4. علي كريم

    كلام جيد ومتوازن ويصح بالتأكيد في بيئه متوازنه ثقافيا واقتصاديا. ربما من المخجل الشعور باليأس امام واجب يحمل قيمه إنسانيه لكن الواقع يسطر غير ذلك. عندما يكون المجتمع في اغلبه متخلف ثقافيا واقتصاديا وعلميا وأخلاقيا يصبح من الصعوبة تغييره او التأثير فيه بمح

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram