TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً(11):صعود الإسلام السياسي وبدايات انطفاء حركة التغييروالتقدم..

صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً(11):صعود الإسلام السياسي وبدايات انطفاء حركة التغييروالتقدم..

نشر في: 15 فبراير, 2014: 09:01 م

اجتاحت العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، موجات تصعيدية، امتدّ فيها نفوذ تيار الاسلام السياسي الى أجنحة الدول "الوطنية"، وفي نسيج مجتمعاتها. وتصدرت المشهد فيها، ظاهرات اجتماعية تعكس انكفاء شرائح وتدرجات طبقية لم تعرف "الانكفاء" و"المحافظ

اجتاحت العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، موجات تصعيدية، امتدّ فيها نفوذ تيار الاسلام السياسي الى أجنحة الدول "الوطنية"، وفي نسيج مجتمعاتها. وتصدرت المشهد فيها، ظاهرات اجتماعية تعكس انكفاء شرائح وتدرجات طبقية لم تعرف "الانكفاء" و"المحافظة" و"الانغلاق" على العادات والقيم التي تجاوزتها الحداثة والتقدم، منذ بواكير حركة النهضة والتجديد الديني في الثلاثينيات.
وكلما أمعنت انظمة الدول الوطنية "العلمانية" من حيث الهوية الشكلانية، في اظهار هويتها الحقيقية، بوصفها "مشروع" سلطة فردية، وهيمنة، لا مشروعاً نهضوياً ديمقراطياً، ازدادت عزلتها عن قواعدها الاجتماعية - السياسية، من ناحية، الى جانب تعمق واتساع مظاهر الانكفاء والغربة والمحافظة والانغلاق في المجتمع، من ناحية اخرى، كما لو انها التعبير السلبي عن الاحتجاج، والرفض لتبديد الامل في التغيير، والمغامرة بالمستقبل الواعد.
وكان الاخوان والاحزاب الدينية الاخرى ومختلف المراكز الاسلامية والجمعيات الخيرية، عناوين المشهد الذي تلازم في تكوينه مع الانحسار السياسي للحركات التغييرية الكبرى، والتغيرات البنيوية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي جرت، بتفاوت في جميع تلك الدول، وأدت الى "تآكل" ثروات شعوبها وتبديدها في مغامرات "السفاهة" السياسية، للقادة المتسمين "بالمراهقة السياسية" الآتين من اطراف الحواضر، وعواقب تدخلهم الفض في تعطيل القوانين الموضوعية للتطور، وإجهاض عمليات التنمية فيها. مع ما يرتبط بذلك من تراجع وتدهور في أحوال المواطنين، واتساع دائرة البطالة، ومختلف أشكال البطالة المقنعة، لينتهي ذلك الى تزايد نسب الفقر، وما دون خطوطه المتعارف عليها أممياً، وإلحاق ضحاياها بمعازل المهمّشين، وقيعان المجاعة والفاقة وعالم البؤساء، الملمومين في بيوت الصفيح والخرائب ومداثر المقابر، الباحثين عن الفضلات.
تكامل المشهد الانتكاسي، عبر تبلور البوادر الجنينية المخاتلة لنزوع "قادة الأنظمة الوطنية" لاغتصاب السلطة، إلى افتضاح النوايا "الثورية" الكامنة، بالتحول الانعطافي الكامل نحو تكريس الانفراد بالسلطة، والهيمنة على الدولة، بالغاء "آلياتها" عملياً، وإلحاقها بآليات متطّفلة تؤدي في المحصلة النهائية الى الغاء اي مظهر للإرادة الحرة خارج سياقاتها المشوهة، وافراغ الدولة وسلطاتها الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، وهياكلها المعقدة، من استقلاليتها، والغاء دورها وصلاحياتها الدستورية، بـ"دمجها" في كيان كُلّاني، للحزب الواحد ثم لـ"القائد الضرورة الأبدي"!
تمت العمليات "الثورية" في استدراج المجتمع والقوى المنظمة الحية فيها، من احزاب وحركات وأطر نقابية، عبر تدابير مترابطة مشمولة بالقمع، أفضت الى عسكرة المجتمع، وتفكيكه، ثم تحويله الى مستودعٍ أيديولوجي، بالغ الرثاثة، للتسطيح والرطانة السياسية والاقتصادية والثقافية، مما يلتقطه "القائد" من مساقط النفايات التاريخية، للأيديولوجيات ومنظومة الافكار المركّبة، المنتهية الصلاحية. 
لم تكن تلك، نتائج معزولة عن ثنائية الصراع داخل الحركات السياسية الكبرى، وفيما بينها. كما لم يكن ذلك معزولاً عن محاولات كلٍ منها في كسب "السلطة الجديدة"، للانقلابات العسكرية، الى صف برامجها السياسية وخياراتها الايديولوجية، و"التماثل" مع كينونتها. ولم تكن ايضاً بمعزل عن الصراع على الصعيد العالمي، بين "المعسكر الاشتراكي" و"الرأسمالية العالمية" بتمظهرها الاقتصادي والعسكري، وما كان يفرزه ويفرضه من انحيازاتٍ وتداعيات وتحديات. 
وفي هذا الصراع المحتدم على مختلف الجبهات السياسية والأيديولوجية، دخل "الدين الرسمي" طرفاً فاعلاً، في الانحياز ضد التطلعات التقدمية للشعوب العربية. وجرت فيه صياغة شعارات تعبوية تحريضية، تضع اهداف التحرر والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، في "خانة" التعارض مع مفاهيم دينية، تبدو كما لو انها تنفي، من حيث الجوهر هدف "العدالة الاجتماعية"، وتنسف فكرة المساواة، على قاعدة، "لكلٍّ ما يشاء الله من رزق". 
وقد بلغ الأمر ببعض رجالات الدين المحافظين، المصطفين دون حرج ضد اي تحول اجتماعي - سياسي من شأنه ان يعيد توزيع الثروة، وإن في اطار النظام الرأسمالي، لصالح الطبقات والفئات الشعبية، التي تشكل الأكثرية المطلقة من الشعب، كالفلاحين، وهم في واقع الحال يشكلون القاعدة الاجتماعية العريضة في سائر الدول العربية والاسلامية، مبلغاً غير مسبوق. اذ تجاوزت مواقف هؤلاء، في مصر على سبيل المثال، الى التشفّي بالهزيمة المروّعة للجيش المصري امام اسرائيل في ٥ حزيران عام ١٩٦٧، واعطاء تفسير للهزيمة كعقاب رباني، ضد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ونهجه وسياساته "الاشتراكية" المنافية والمناقضة للدين الحنيف، حسب تصورهم!
واتخذت مواقف مشابهة في العراق، في دعم الانقلاب البعثي الدموي الذي قاده حزب البعث العربي الاشتراكي، وراح ضحيته خلال ايام، عشرات الآلاف من الوطنيات والوطنيين العراقيين، قتلى وجرحى، وفي سياق حملات دموية تصفوية لم يشهد العراق لها مثيلا في العصر الحديث. ومثل هذه المواقف للبعض من رجال الدين والمحسوبين عليه، اتخذت ضد الجمهورية العراقية ورئيس وزرائها الشهيد الوطني عبد الكريم قاسم، ارتباطاً بقانون الاصلاح الزراعي، الذي حرر ملايين الفلاحين المعدمين من ربق الاقطاع، واستعاد الاراضي الشاسعة من الاقطاعيين، ووزعها على حارثيها وزارعيها، مع محاولات إجهاضه بفتاوى معروفة. وازدادت هذه المواقف شراسة، بعد صدور قانون تأميم الأراضي غير المستثمرة من قبل الشركات النفطية، وإقرار قانون الاحوال الشخصية الذي أعاد الى نصف المجتمع سويّته الانسانية، باعتبار المرأة نصف المجتمع المستعبد بقيود الجهالة الذكورية، ومخلفات قرون "الحريم" والجواري، وعشرات القوانين والقرارات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية التقدمية.
ويمكن تلمس هذا النهج الذي سارت عليه التيارات والتنظيمات الاسلامية، في كل البلدان التي شهدت إرهاصات تقدمية ونزوعاً نحو التحرر الاجتماعي والاقتصادي، وأفقاً للتحول نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
يتبع...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram