في الأشهر الأولى من أزمة الأنبار ، كتبت في هذا العمود أنني اتمنى على رئيس مجلس الوزراء، أن يصغي للمواطنين في هذه المدينة وليس لحنان الفتلاوي والجنرال حسن السنيد، وتساءلت حينها لماذا يسافر رئيس الوزراء الى البصرة وبابل وذي قار ولا يذهب ليجلس مع أهالي الأنبار يستمع الى مطالبهم، في ذلك الوقت كان المالكي يصر على ان ما يجري مجرد فقاعات وان الزمن كفيل بإزالتها، ولم يكن يصغي للأصوات التي تقول ان الحكمة تقتضي ان يمد يد التسامح للآخرين. ولانني مثل غيري كنت ولا أزال اشعر ان رئيس مجلس الوزراء محاط بمجموعة مستشارين يسخرون من لغة التفاهم ويهولون الأمور ويعتبرون التصلب مكسبا، والشتيمة سلاحا.
ورغم ان النصائح والمناشدات ليست من شان صحافي "ضعيف"، فقد كنت أعيش في حالة من التمني في زمن الهتافات الطائفية والشعارات " الثورية " وأناشيد " يلاكونه لو بيهم زود" .. في زمن يرى فيه البعض من " صبيان السياسة " ان إرضاء الناس عيب والحوار جريمة .
وظل المالكي مصرا على أن حكومته على تواصل دائم مع العراقيين بكل طوائفهم، لكن كل يوم، وبعد كل خطاب، كان يبدو أن رئيس مجلس الوزراء يفقد صلته بالناس، ويعيش منتشيا بالعبارة التي قالها النائب وليد الحلي الذي هتف في مجلس النواب "الف كلا وكلا لكل من يفكر مجرد التفكير في تحديد فترة حكم السيد نوري المالكي"، وان رئيس مجلس الوزراء خلق لكي يبقى على كرسي الحكم حتى نهاية العمر لاحتى انتهاء ولايته، ونسى النائب الحلي انه بذلك يهندس للخراب الذي يتحمل الوزر الأكبر منه المالكي، حين اصر على ان يكون المسيطر والمهيمن بحجة ان البلاد تحتاج الى سياسي قوي، فتحولت السياسة الى حلبة يتبارى فيها مع الخصوم لاستعراض القوة، وترديد شعارات من عينة ما دمنا في السلطة فان الأمور ستكون بخير، وأننا حتما سائرون إلى الأمام وسنقطف ثمار النصر في القريب العاجل، ولهذا وجدنا المالكي، يذهب إلى بعض المحافظات ليرفع سبابته في وجوه الجميع محذرا من أن هذه البلاد لن تحكم إلا بالطريقة التي يرى هو وحده إنها الصحيحة، وهذه الطريقة هي التي اخرت زيارته إلى الأنبار لتتأزم الأوضاع ولنجد المالكي اخيراً في قاعدة عسكرية تبعد عن الأنبار 150 كم يقول: إن "جميع مطالب أهالي الرمادي ستلبى والعاجل منها ينفذ بقدر الأمر المتعلق بالحكومة، اما البعض الآخر فبحاجة الى تشريع قانون وهذا دور مجلس النواب".
ودعونا نتساءل ترى ماذا لو ان المالكي وضع الأنبار على قائمة جولاته العام الماضي؟ أتخيل لو ان المالكي لم يذهب الى قناة العراقية ويصف المعتصمين بانهم فقاعات، بل توجه الى اهالي الأنبار وقال لهم انه لا ضرورة لوسيط بينكم وبيني. ولن أنتظر لأسمع مطالبكم. أنا أدرى بما يحدث من فساد وقتل على الهوية، اعرف ان العملية السياسية قد فشلت، وادرك ان الحكومة لا تليق بهذا الشعب، ماذا لو قال لهم دعونا نتشارك معا في إصلاح هذه البلاد، ماذا لو خرج على العراقيين جميعا وقال لهم ان الإصلاح الذي تفكرون فيه هو الذي أحلم به. . لا ضياع لأصواتكم ومطالبكم، لا كرامة للعراقيين إلا في أن يحتلوا موقعهم المتميز بين جميع الشعب، وليس فقط في معسكر "ماننطيها" ماذا لوقال لأهالي الأنبار أنا آتٍ إليكم، أتخيل، فقط أتخيل، لو ان المالكي قام بهذه الخطوة، لما احتاج إلى ان يخاطب أهالي الأنبار من وسط قاعة عسكرية محصنة.
لكنه الظلم الذي لا يحدث إلا في ظل أنظمة، لا تسمع سوى صدى صوتها، ولا يعود هناك متسع إلا لإحصاء عدد الخطب والأهازيج، لا يعود مهما عدد القتلى والجرحى والمهجرين والخائفين من قصف المدافع والأيتام والمعوقين والذين فقدوا الأمل بالمستقبل، لا يعترف السياسي الفاشل، إلا بمن يهتف باسمه، لأن كل ما عدا ذلك يصبح غير مهم.
إلى متى سنتحمل مسؤول وسياسي يشعر بالقلق، وكلما ازداد قلقه زادت رغبته في البحث عن عبارات وجمل، لاعلاقة لها بما يجري من حوله.
كم " مالكي " سننتظر"
[post-views]
نشر في: 17 فبراير, 2014: 09:01 م