ينظر البعض إلى الحكومة اللبنانية الجديدة، التي تعثرت ولادتها ما يقرب من السنة، على أنها مقياس ومؤشر المرحلة المقبلة، فعوامل انهيارها تتساوى مع إمكانات استمرارها، وفيها من وزراء "المستقبل"المؤهلين سياسياً، من يعرف جيداً أن التوافق مع ما يجري في المنطقة، أكثر أهمية من كسب المشاعر الشعبية أو الفئوية، ويدرك ضرورة النظر إلى مستقبل لبنان، من زاوية التفاهم الغربي الإيراني، ومكافحة الإرهاب، والتطورات على الأزمة السورية، واحتمال التقارب لاحقاً بين السعودية وإيران، ما يلقي على كاهلهم تمرير المرحلة، والانتقال إلى التهدئة والتفاهم الفعلي، وينطبق ذلك أيضاً على حزب الله، حيث بيد الطرفين إمكانية قلب الطاولة وإغراق لبنان في المجهول، والمؤكد أن حكومة تمام سلام، أتت كجزء من تفاهمات إقليمية ودولية، لم تكتمل صورتها النهائية بعد، لكن الأبرز فيها، هو تشكيلها على وقع التطورات في سوريا، وهنا يمكن فهم التنازلات المقدمة من الأطراف كافة لتمرير هذا الاستحقاق، بانتظار التوافق على اسم رئيس الجمهورية الجديد.
سادت روحيّة لاغالب ولا مغلوب اللبنانية بامتياز، وإن روّج البعض أنه كان للجنرال عون حصة الأسد، حيث بدا وكأنه المرجعية المارونية لهذه الحكومة، آخذاً دور رئيس الجمهورية، وناور الرئيس سلام ببراعة بين الرجلين، وآزره تيار المستقبل، مُقدّما كمّاً من التنازلات، كسحبه شرط انسحاب حزب الله من سوريا، للجلوس معه على طاولة واحدة، وقبوله تأجيل النقاش في البيان الوزاري، إلى ما بعد التأليف، مروراً بتخلّيه عن حقيبة المال، التي كانت حصته المؤكدة في كل الحكومات التي شارك فيها، وعن الطاقة التي تكتسب هذه الأيام أهمية مضاعفة، وليس سراً أن التوليفة الحاضرة، أتت خارج رأي دمشق بالنسبة للتعاطي مع الرئيس سعد الحريري، الذي أدّى الانقلاب على حكومته، إلى موقف سعودي متشدد إزاء نظام الأسد، الذي يرى اليوم أن إعادة أنصاره إلى الحكومة، يتيح للسعوديين الانطلاق في التفاوض في الملف اللبناني، من زاوية مشاركة تياره في السلطة، وليس من الثمن الذي يتعين على السعوديين دفعه لإعادته إليها.
حكومة سلام بشخوص وزرائها سياسية، ولم تعتمد على تخصصاتهم، باستثناء التربية والثقافة والأشغال العامة والداخلية، وقد ناور تيار المستقبل ببراعة لينتزع الداخلية للوزير المشنوق، وزج غالبية صقوره في التشكيلة، نبيل دو فريج في مقعد الأقليات، ورشيد درباس وهو أخطر الحريريين سياسياً في التشكيلة، وإذا كانت هذه التوليفة لا توحي بوجود اتفاق سياسي، يُسرّع كتابة بيانها الوزاري، فإنها تجزم بوجود اتفاق أمني، يسمح لحزب الله بالاطمئنان إلى إمساك تيار المستقبل بوزارات الاتصالات والداخلية والعدل، والشؤون الاجتماعية المعنية بملف اللاجئين السوريين، ويبدو أن سمير جعجع، الذي يصفه أعوانه بأنه صاحب مبدأ، برفضه المشاركة في أي حكومة مع حزب الله، كان الخاسر الأكبر في التشكيلة الحكومية، على العكس من حلفائه وخصومه، الذين ناوروا طوال عشرة أشهر للفوز بحصتهم من الكعكة، وهو اليوم ينتظر البيان الوزاري، ليتأكد أن المستقبل استطاع أن يفرض قناعاته في البيان، في ما يخص التدخل بالأزمة السورية، ليمنح ثقته أو يحجبها.
تشكيل حكومة تمام سلام، يُعتبر انتصاراً للبنان الوطن، وذلك ما يفسر قبول الأطراف كافة ببعض الخسائر هنا أو هناك، وتغاضي كل منها عن اعتقاده أن الأطراف الأخرى كانت رابحة أكثر منه، وليخرج لبنان من أزمته بشكل حقيقي، لابد من انتظار الاستحقاق الرئاسي، الذي بدأت التحضيرات له منذ اليوم.
وتشكلت حكومة سلام
[post-views]
نشر في: 18 فبراير, 2014: 09:01 م