سعد أحمد
أستعير العنوان من رواية بذات الاسم لروبرت موزيل، نشرتها دار المدى مؤخراً. وقد لا ينطبق على ما أريد الكتابة عنه. ولكن ما أهمية ذلك؟
ما أهمية ان تتطابق الأقوال مع الأفعال في زمننا العراقي هذا المُستأصل من تاريخه وجذوره؟ ما أهمية ان يكون الشيء هو ذاته في ذاكرة الناس او لا يكون؟ وقد اصبحت الأشياء والأشكال في أذهاننا مجرد تخيلاتٍ شبحية، يضفي عليها الموت المجاني اليومي ملامحه وإسقاطاته التشاؤمية، التي تستدرجنا كل لحظة الى مزيد من التشاؤم حول المستقبل، وتستنفر النوازع المتوحشة في لا وعينا، وكأننا كائنات بلا وجوه ولا ذاكرة، نتلمس طريقنا بحدس المغيّب عن الوعي، المستسلم للقدر وهو يزحف علينا وبيده مبيد حشرات، لا يرانا اكثر جدارة للموت بغير وسيلته، بعد أن بلغ الهوان بنا ان نحبو على اربع، ونعتبر الإذلال والسكوت والخديعة صفاتٍ نستحق ان نُحكم بأدواتها، وقمين بنا ان نرضخ للحاكم مهما بلغ استهتاره بأرواحنا وعقولنا وضمائرنا، بوطننا المُذَل، المُهان، بدولتنا الهشّة الفاشلة، وهي تتحول الى اسطبلٍ للطامعين بأنقاضها، العابثين بما تبقى فيها من حياء العذارى..
نحن من ينطبق عليهم العنوان بجدارة. ومن غيرنا قَبِلَ بتجرّع كأس الهوان والمهانة، واكتشف الخديعة، وتماهى معها، باسم الدين تارة والمذهب تارة أخرى، وتلفّت حوله كلما أراد أن يتقيأ آثار السم الزعاف الذي تجرعه منذ ولايتين متصلتين ويُراد للثالثة أن تكون بعدهما، بلا حياء ولا خوف ولا مساءلة، ولا تحسس لنوازع الضمير؟
من غيرنا يستحق ان يكون بلا صفات، وقد مررّنا صلف الحاكم وتجبره وتعاليه، وسكتنا عن امعانه في المغامرة بارواحنا واموالنا، وبجيشه وخزائن دولته، دون ان نخرج شاهري "أذرعنا" لا "سيوفنا" التي دعانا ابو ذر لاشهارها بوجه المستبد المتلاعب بإرادتنا واموالنا وعِرضنا، مهما كانت العواقب، وعاقبته وهو الصحابي الجليل، كانت الموت في صحراء الربذة، غريبا، منفياً، باكي القلب، على ما يفعله معاوية بأصحابه..؟
منذ سنة تجرأ المالكي، واتهم كل من يطالبه بالتعامل الحكيم مع المطالبين بحقوق عادلة، بالتواطؤ مع "الارهاب وداعش"، واعتبر مطالب أهالي الانبار والحويجة، واعتصام الناس فيهما، فتنة طائفية ومؤامرة تستهدف العراق، حيكت خيوطها خارج الحدود..
رفض الاستماع إلى صوت الحكمة، الذي دعاه إلى اعتماد السياسة، وسيلة لحل الأزمة، وإطفاء فتيل الفتنة، ان كان يراها فتنة عن حق، مع انها امتداد لترضضاتٍ يعاني منها أهلنا في الغربية، كما في الجنوب، وكما في الفرات، وكما في بغداد عاصمة الجميع. وهي بعضٌ من نتائج سياسات حمقاء لا يهمها سوى اغتصاب السلطة والعبث بمقدرات الشعب، والتطاول على ارادة كل من لا يرضى به وصياً، او مختاراً له.
خلافاً لصوت الحكمة والعقل، اختار المالكي، سبيل المغامرة العسكرية، ولسان حاله يصف المحتجين المعتصمين، دون تحفظ، بـ "الفقاعة والنتانة"، ومراتع الفتنة، وهددهم بالويل والثبور وعظائم الامور، ان لم ينتهوا باختيارهم، قبل ان "ننهيهم"!
وقد فعلها في الحويجة، وارتكب جريمة انتشرت بالصورة وبصوت عساكره وهم يشتمون الاموات باسمه ويدوسون على جثثهم وهم ممددون على الارض.
وفعلها في الانبار، فاستباح واستبيحت قوات دولته، فمات من مات وهرب من هرب، وضاع بين الارجل من لم يبق له من أثرٍ لأهله وذويه..
فعل ذلك كله، وفجأة، ودون عودة لبرلمانٍ أو حكومة او قياداتٍ، ظهر في مكانٍ من الأنبار ليقول امام الملأ:
- كل مطالبكم العاجلة والآجلة مستجابة،..
- مئة مليار دولار "سأخصصها" لكم لإعادة المشردين إلى ديارهم..
- سارفع من "رتب" ضباطكم..!
- ليعد من هو في الخارج "من البعثيين"، مكرمين معززين، ولم لا، وعندنا أفواج كُثر من أمثالهم "في مكتبي وعلى رأس قواتي التي داهمتكم، وتداهم كل من تسول له نفسه معارضتي" وليس عليهم غضاضة او سوء عاقبة..
لم يبق له إلا أن يقول: لا بأس دعونا معاً نزور قبر صدام حسين ونقرأ عليه سورة الفاتحة، والله غفور رحيم ..! "ولعل في مثل هذه الزيارة تهدئة للنفوس، وإزالة الغمة التي صارت ضيفاً ثقيلاً علي بعد ما تلقيته من هزائم"!
لم يبق له سوى ان يُجهز على من تبقى منا، دون ملاحقة او تعريض، فقد صار له حلفاء من ابناء "قضيته"!
من منا، نحن ام هو، بلا صفات..!؟
رجلٌ بلا صفات...!
[post-views]
نشر في: 18 فبراير, 2014: 09:01 م