كنا وما زلنا نحذر من وجود شياطين الأنس التي لا يسرّها تجميع الرياضيين على طاولة الوئام والإلتقاء في نقاط مشتركة من التفاهم بشأن قضية مختلف عليها ، فهناك من يجنح للسلام وينشد نقاء النفوس إكراماً لمصلحة اللعبة، فيما ينزوي اللؤماء وراء مخطط التفرقة لبقاء الأزمة والهروب من المواجهة ومصافحة الشجعان.
وما حصل لأزمة تصريح مدرب فريق كربلاء علي هادي ضد حكام دوري الكرة الممتاز يثبت أن هناك معسكرين متقاطعين في النية والهدف ، ولا يمكن جمعهما إلا في مشهد صوري خالٍ من الصدقية وفاقدٍ لأطر العمل المهني الذي تحتاجه الكرة العراقية اليوم بعدما افتضح أدعياء الحرص على كيان اللعبة ورغبتهم لمزيد من التمزق وشراء الذمم للتغطية على المشروع الأكبر (الانتخابات) في اصعب مرحلة شيّعت خلالها مبادىء الرجولة الحقة التي لم يزل يحتفظ بها قلة من خدّام الوطن.
نعم .. ما كشفه اليوم عضو اتحاد الكرة المنحل محمد جواد الصائغ لـ(المدى) يعد دليلاً لا شك به اطلاقاً بأن هناك مَن يحاول إطالة أمد الأزمة لمشاغلة الإعلام الرياضي أولاً وأهل اللعبة ثانياً بمجادلات عقيمة ومناوشات تقلل من قيمة بعض العاملين في الاندية ليس تباكياً على هيبة الحكام مثلما يدعون، بل لتقليل الضغط على ملف الانتخابات ومحاولة تحجيم مخاطر ما يخطط لها في الخفاء لإضاعة المزيد من الوقت وشراء المواقف ومعادلتها بالأصوات المؤمّل كسبها في معركة العشرين من نيسان التي لن تكون نظيفة من دون هيئة مؤقتة تشرف على تحضيراتها بمباركة مجلس القضاء.
لن يلوم أحد الصائغ في الانسحاب من مهمته السلمية قبل المهنية لرأب الصدع بين اطراف الأزمة الطارئة لأنه من غير اللائق ان يشعر بالتهميش في أية معلومة أو مشورة تخص عمل لجنته مثلما حصل في عدم حضور رئيس نادي الكرخ شرار حيدر لاجتماع كربلاء بحجة تلقيه اتصالاً من رئيس لجنة الحكام طارق احمد يشير الى الغاء مباراة كربلاء والكرخ، وكان حرياً بشرار مواصلة طريقه لتحقيق الاجتماع والإدلاء برأيه لرئيس لجنة التقصّي ليتسنى للأخير رفع توصياته لاتحاد الكرة وإنهاء المشكلة ليأخذ الجميع حقوقهم مع ان نية الصائغ كانت حاضرة بروحية (شيخ السلام) ويسعى الى تكريس لغة العقل ومنطق الحكمة لدرء الفتنة.
ليس بيننا من يساير الباطل ومهادنة المسيء لقضاة الملاعب، لكن تعالوا لنقارن بين ثقافة تلقي الأوروبيين تصريح مدرب مانشستر سيتي بليغريني أمس الاربعاء متهماً حكم المباراة مع برشلونة السويدي أريكسون انه " لم يكن نزيهاً وحسم نتيجة مباراة الذهاب لصالح الضيوف " وبين صرخة مدرب كربلاء علي هادي التي اطلقها عبر البغدادية ، فالأول يعي ان تصريحه لن يخرج عن حدود شخصية الحكم المهنية فقط في إقراره ركلة الجزاء المشكوك بصحتها ، والثاني لم يخنه التعبير ابداً لأنه بليغ في انتقاء مفرداته مثلما تؤكده برامجه التحليلية ومقالاته للصحافة، ربما عبّرت صرخته تلك عن كبت مزمن يحمله المدربون لمن أخطأ في حق فرقهم ولم يتلق العقاب الرادع من لجنة الحكام، ولهذا فإن اشارته للخط الأحمر تعني إن كربلاء وبقية الاندية لم يعد بمقدورها تحمل الظلم ما لم تكن هناك اجراءات صارمة تنبّه الحكم الى أخطائه لئلاً تقصم ظهور ادارات الاندية التي تستجدي بعضها (المال) بكل صراحة وبطرق رسمية بعد مناشدات مستمرة على مؤسساتها للإسراع في إبرام عقود (الباشوات) من المحترفين ومن حقها أن تخشى من صفارة حكم شارد الذهن يتسبب في اضاعة احلام الفريق وربما تبعده عن الأضواء في خاتمة الدوري.
إن نزاهة الحكام محفوظة فهم من افضل حكام القارة كفاءة وخلقاً، ولو كانت لاتحاد الكرة لجنة مقتدرة تنير زوايا الأزمة وتستخلص الحل الناجع منها لما لجأ أكثر من 50 حكماً للتوقيع على مسودة تضامنية تطالب باسترداد حقوقهم والذهاب بعيداً في التظلم بإعلانهم العصيان عن أداء الواجب بامتناعهم إدارة مباريات الدوري حتى في حالة صدور توصيات لجنة الصائغ ما لم تكن مرضية لنزواتهم، وهي رسالة مباشرة تطعن مسبقا بأية إجراءات ينفذها اتحاد الكرة في ضوء تلك التوصيات، وهذه حالة شاذة وخطيرة ينبغي وضع حدٍ لها قبل فوات الأوان لئلا تصبح تقليعة كل موسم ، فالقانون سيد الاحكام ومن لا يحترمه لا يستحق شرف الانتماء الى القضاة.
عصيان الحكام.. فتنة !
[post-views]
نشر في: 19 فبراير, 2014: 09:01 م