الساسة والمسؤولون العراقيون لطالما اكدوا تمسكهم بمبدأ الشراكة في إدارة البلاد ، ومزاعمهم في هذا الشأن ، يعبر عنها عادة بقولهم ان الجميع في مركب واحد ، وعندما يغرق ستكون النتيجة معروفة ولا تحتاج الى توضيح، ومن كان سعيد الحظ في العثور على خشبة من حطام السفينة لربما يصل الى جزيرة وسط البحر ، ليواجه مصيراً آخراً .
المراقبون المحليون والأجانب المعنيون بمتابعة المشهد العراقي شبهوا الأوضاع في البلاد مثل سفينة استولى عليها القراصنة او طائرة مختطفة ، نتيجة اتساع الخلافات بين الشركاء والحلفاء ، وسيطرة مجاميع مسلحة على بعض المدن الغربية ، وتعرض العاصمة لحوادث تفجير المفخخات ، على الرغم من انتشار القوات والسيطرات ، والإجراءات المشددة لضبط الأمن المفقود ، وهذا المشهد يعطي صورة واضحة لمختطفي الوطن ، على يد المتورطين بسرقة المال العام ،من قبل مافيات مدعومة من أحزاب متنفذة ، و قوى سخرت مليشياتها لتصفية من يحاول عبور الخطوط الحمر والتجاوز على حقها في الدفاع عن القراصنة ، بملاحقة منتقدي الأداء الحكومي والنيابي المتعثر منذ سنوات ، والتدخل الخارجي في الشأن العراقي .
فرضية ان يكون الوطن طائرة مختطفة يعني ان كارثة ما ستكون بانتظارها ، وحينذاك ستجري عمليات البحث عن الصندوق الأسود ، وهذه المهمة تقع على عاتق الإعلام المستقل وخاصة المعنيين بالصحافة الاستقصائية ، لان الأحزاب والقوى السياسية المتنفذة اكتفت بالتحذير من غرق المركب ، وكأنها تريد القول وبشكل صريح بان الحفاظ على مكاسبها ومصالحها وامتيازاتها تتقدم على أولويات الشعب العراقي .
الأوضاع في العراق توفر بيئة مناسبة للعمل الاستقصائي ، ولكن المحددات والضوابط ، والتهديد بالعين الحمرة من قبل السلطة جعلت تلك البيئة حقل الغام ، ومن يحاول الاقتراب منه عليه الاستعانة بفريق هندسي عسكري اجنبي ، فالوصول الى الصندوق الأسود مهمة شاقة ، محفوفة بمخاطر التعرض لانفجار عبوة لاصقة ، ورصاص الكاتم ، وفي اقل تقدير إصدار مذكرة اعتقال بحق من يغامر لمعرفة الوزير المسؤول عن تجارة السكائر ، ورئيس اللجنة النيابية المتورط بالفساد ، والنائب صاحب اكثر من فصيل ميليشاوي المدافع العنيد عن مصالح أسياده بإشعال الشارع بموجة من الغضب العارم .
الملفات السرية في معظم دول العالم المحفوظة في صناديقها السرية يتم الكشف عن محتوياتها ، تكشف بعد مرور مدة من الزمن ، وهذا التقليد بوصفه معبرا عن اقصى درجات الشفافية من المستحيل ان يصل الى المنطقة العربية ، لأنها على الدوام ، تدعي خوضها صراعا مع قوى خارجية ومحلية في منازلة تاريخية للحفاظ على الأمن القومي.
الصندوق الأسود لفرضية طائرة الوطن المختطف فيه من الأسرار والقضايا الخاضعة هي الأخرى لمبدأ التوافق السائد في الحياة السياسية العراقية وباتفاق جميع الأطراف المشاركة في الحكومة ، ومن صعد المركب واعرب عن قلقه من احتمال غرقه ، لم ولن يجازف في يوم ما بكشف المستور لانتحاله صفة ربان سفينة النجاة .
الصندوق الأسود
[post-views]
نشر في: 19 فبراير, 2014: 09:01 م