قبل أيام انتقد بعض رواد الفيس بوك ما جرى في شارع ابو نؤاس يوم الرابع عشر من شباط الذي تحتفل فيه اغلب دول العالم بعيد الحب ، ولأن العراق مازال دولة تنتمي الى دول العالم ولم تشرذمه النوايا الخبيثة والمخططات الدخيلة على أهله الطيبين فقد فكر بعض أهله بالاحتفال بهذا العيد دون ان يعرف اغلبهم بانه يدعى ( عيد القديس فالنتاين ) ..وما همهم لو علموا بذلك ؟ وهل يحتكر أي من الأديان مفردة الحب ؟...انهم بحاجة الى الحب الذي نفتقده كثيرا هذه الأيام ونحن نعيش أياما تسحبنا بكلاليب الروتين اليومي لنصبح آلات تلتهم الزمن التهاما دون ان تشعر به او تقتطف على غفلة منه لحظات جميلة كتلك اللحظات التي عاشها بعض الشباب والأطفال في حدائق ابي نؤاس .
بعد أيام طالبت كتلة المواطن محافظ النجف ومدير شرطتها بالاعتذار لسماحهم لبعض الشباب بالاحتفال بعيد الحب ما أساء الى قدسية المدينة ...من حق الأحزاب الدينية طبعا ان تحافظ على قدسية المدن المقدسة فهي تستمد وجودها وبقائها في الصدارة من الصبغة الدينية التي تصبغ تلك المدن وتملي على أهلها نوعا من الالتزام المبالغ فيه بالطقوس الدينية وحين تهاجم سلوكا منح بعض شباب المدينة المقدسة قليلا من الفرح فإنها تكسب تأييد شريحة واسعة من المتمسكين بمظاهر الدين حتى وان كانت تحمل الكثير من المبالغة ...لكن الدين يدعو الى المحبة والعراقيون هم أحوج الناس لها ..
لقد تعبنا من السير في طرقات مستقبل مظلم لا تضيء جنباته الا أضواء الانفجارات ولا تبدد صمته الا أصوات سيارات الحريق والإسعاف ..تعبنا من الأحقاد التي بدأت تغزو نفوس البعض كالديدان لتنهش ما فيها من إنسانية وحب للآخرين ..من حق العراقي ان يحب وان يحتفل بالحب وان يسعى الى الفرح مادام غائبا عن عالمه ..ألسنا من صناع الحضارة ..ألا يمكننا ان نصنع الفرح ؟
لم نعد نتلذذ بطعم الأشياء ..الفواكه والخضر فقدت رائحتها وطعمها الشهي ..ليس بسبب الهندسة الوراثية التي غيرت ملامح المحاصيل الزراعية بل لأننا فقدنا الإحساس بلذة الأشياء التي تحيط بنا ..هل فكر أحدكم مثلا ان ينتشي بعبير زهرة وهو يسير عدة كيلومترات على قدميه متحديا ازدحام المركبات ليصل الى مكان عمله او دراسته في الوقت المحدد ..وهل واظب أحدكم على إهداء زهرة او كلمة حب لزوجته بعد عودته من عمله مرهقا بتفاصيل فيلم حياتي يومي يجسد بطولته التعب والخوف؟
دعونا اذن نستمتع بيوم واحد من العام نجدد فيه ولاءنا للحب ولا ضير ان يكون من ابتدع هذا اليوم ( بطرانا ) او مخالفا لمنهجنا الحياتي والديني ...اننا نلتقي معه في حاجتنا الى الحب ما دمنا بشر ..وكما يقدم بعض المسيحيين قدورهم في عاشوراء لملئها ب( التمن والقيمة ) مراعين مشاعر الحزن لدى شيعة المسلمين، فلابأس ان يحتفل أبناء النجف او العاصمة او كل العراق، بعيد ارتبط اسمه بقديس مسيحي مادام يدعو الى المحبة ..ألسنا بأمس الحاجة لها ..واكثر بكثير من حاجتنا الى الحزن ؟
بطرانين
[post-views]
نشر في: 21 فبراير, 2014: 09:01 م