TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (١٣) .. نماذج الصعود.. مدارات الانطفاء

صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (١٣) .. نماذج الصعود.. مدارات الانطفاء

نشر في: 22 فبراير, 2014: 09:01 م

ربما كانت مصر، بسبب دولتها العميقة، وتقاليدها المدنية، وتنوعها الاثني، وتفاديها السقوط، او تفكك حواملها، وأعمدتها الساندة، خلال التغيّرات العاصفة، والانقلاب - الثورة في يوليو ١٩٥٢، قد ظلّت عصية على الاختراق من قبل الإخوان المسلمين، ولم تكن "سهلة المن

ربما كانت مصر، بسبب دولتها العميقة، وتقاليدها المدنية، وتنوعها الاثني، وتفاديها السقوط، او تفكك حواملها، وأعمدتها الساندة، خلال التغيّرات العاصفة، والانقلاب - الثورة في يوليو ١٩٥٢، قد ظلّت عصية على الاختراق من قبل الإخوان المسلمين، ولم تكن "سهلة المنال" مع سنوح فرصة سياسية مواتية للانقضاض عليها. 

ولهذا بقي الإخوان على حرص مستمر في الإبقاء على شعرة معاوية في علاقتهم مع أجهزة الدولة، والتعامل معها، وإبرام اتفاقات معها في المواسم الانتخابية بشكل خاص. وهي نفس العوامل الحاسمة التي حالت دون "ابتلاعها" من قبل سلطة المرشد بعد ان استقامت الرئاسة لهم، وصارت لهم عين ويد طولى في المرافق الحساسة للدولة المصرية، فانتعشت آمالهم المكبوتة على غيظ دفين. ويعود الى ذلك ايضاً هذا الاستعجال والتعجل، فيما قامت به الجماعة، لحسم معركة تصفية "الدولة العميقة"، وقضم اركانها، انّى كان ذلك ميسوراً، بوسائل الانفراد في المفاصل الرئيسية المقررة، وتحييد مفاصل عصيّة، وتحصين القرارات الرئاسية، والتمكّن من السلطة القضائية.
وقد اقدمت الجماعة على تدابير "سرية" تشكل خطوطاً هجومية أمامية "انتحارية" لزجها، على تدرجٍ متحفظ، في استعراضات قوة، أو ما يُشبه بالونات اختبار، لإثارة القلق، واشاعة الخوف بين الجموع الشعبية، والتردد بين الاوساط السياسية المدنية، من عواقب المواجهة. وصار واضحاً الآن انها انجزت مراحل متقدمة في تحشيد "جهاديين" وتأمين خطوط مواصلاتهم اللوجستية، وتمكينهم من الفعل الارهابي، لكنها لم تستطع إكمال خططها، بعد مفاجأة لم تتوقعها، بالاحتشاد الجماهيري منقطع النظير في ٣٠ يونيو، والضربة الاستباقية التي وجهتها القوات المسلحة الى مخططاتها، مستجيبة لإرادة الاحتشاد. ومن الدلائل البارزة على المخطط الجهنمي للجماعة لتقويض الدولة المصرية، الاجتماع الحاشد الذي سبق ٣٠ يونيو في الملعب الكبير، وإبراز الرموز التكفيرية والقيادات "الجهادية" على منصة الاحتفال، والتلويحات المهدِدة للقوى المدنية، بعظائم الأمور، اذا ما تجرأت واقتربت من "رمز شرعيتها محمد مرسي العياط" في ٣٠ يونيو!
والمظهر الآخر نتلمسه في الأعمال الإرهابية للمنظمات الرديفة "والمستلة" من جماعة الاخوان بتسمياتها المختلفة. وكان مقدراً ان تنطلق الجماعة وحلفاؤها الدوليون من "منصة مصر" بكل الإمكانيات المتاحة فيها، للزحف منها على الدول العربية الرخوة، اولاً، بدءاً بفلسطين، الملتحفة بعباءتها، وتمدداً الى سورية والعراق، ثم باتجاه الأذرع العربية المكسورة والمهيّئَة "للدخول في طيّات الإمارة الإسلامية ودولة الخلافة"، في ليبيا واليمن والسودان وتونس الخ.
ورغم انكسار المَد الاخواني في مصر، وتعثر المشروع الدولي للجماعة، وتَسَطّح "النوايا الاميركية والأوربية" في توليتها السلطة في مصر، ورعاية مشروعها الاسلامي "المعتدل وهماً"، فإن أذرع الجماعة تواصل الفعل في ليبيا، لتخريب العملية السياسية فيها، لمصلحة "توطين" ميليشيات مسلحة، مزروعة فيها من بقايا الافغان العرب، وهو فعل غير معزول عن الضغط المتعدد الأشكال، المدعوم بالمال والسلاح القطري المشتبه بتواطئه مع وشيجة إسرائيلية. ويظل الرهان قائماً على تحويل ليبيا مركزاً متقدماً، من شأن تكريس هيمنة القيادات "القاعدية" وخلاياها النائمة، وتشبيكاتها تحت واجهات مختلفة، على الدولة الليبية المتصدعة، بناء ملاذٍ آمنٍ، وخيمةٍ دافئة لاحتضان تدفقات "الجهاديين" من سائر دول المغرب العربي، بالاضافة الى مصر، وتأمين تدريبها وتأهيلها واعادتها الى المواقع الامامية في البلدان المذكورة، مدججة بالسلاح، ومدعمة بالمال القطري والخطط الإرهابية، وما هو ضروري لتوسيع دوائر الفوضى والفتنة والتفكك.
والمقاربة الملفتة بين التجربة الليبية والعراقية للتيار الإسلامي، ازاء مفهوم "الاجتثاث"، الذي اعتمده العراق ضد القيادات المتنفذة في البعث، ان التيار الأكثر تشدداً في ليبيا، تبناه بصيغة يجتث باعتمادها، كل مسؤول في "الدولة" منذ انقلاب القذافي في الستينات، بغض النظر عما اذا تحول الى المعارضة، او كان من المخططين والمساهمين القياديين الفعالين في الانتفاضة التي اطاحت به. في حين ان جزءا من التيار الاسلامي في العراق، يعتبر الاجتثاث موجهاً ضد طائفة بعينها! مع ان الاجتثاث في العراق يستهدف درجات معينة في البعث، وليس في الدولة، ويأخذ بالاعتبار، الانسلاخ من عضويته، واتخاذ مواقف معارضة منه، والانتقال الى مواقع القوى المعارضة. ان الموقفين ازاء هذه الظاهرة في كل من ليبيا حيث يدعو الاسلاميون الى "اجتثاث رجالات الدولة"، وفي العراق حيث موقفهم المضاد لأي اجتثاث لقيادات بعثية، والتباين بينهما، يعكسان تكتيكاً سياسياً له علاقة بمآل السلطة والأدوار القيادية فيها.
لقد تشاركت القيادات الانقلابية "الوطنية" وأنظمتها، في الجمع بين نهج تصفية الحياة السياسية من القوى المدنية الديمقراطية، وإزاحتها بوسائل القمع، والتضييق القانوني، والإفساح للتنظيمات الإخوانية وقوى التيار الإسلامي في بعض البلدان او غض النظر عن نشاطاتها، او بتشجيع بدائل "غير سياسية" في الظاهر تحت واجهات الاعتدال، والنأي عن مواجهة السلطة ونقدها والتعريض بسياساتها.
وتشاركت الأنظمة "الوطنية" في توظيف الإسلام السياسي، أنّى كان ذلك ممكناً، في التَعرّض للاحزاب والقوى المدنية الديمقراطية، والسعي لإثارة الشكوك حول برامجها وسياساتها، بوصفها "هرطقة" وخروجاً على مبادئ وقيم الإسلام.
وفي مراحل مبكرة وحتى وقت قريب، كانت الحركات الإسلامية تندد بـ"الديمقراطية" وتعتبرها "بدعة غربية وافدة" تتعارض مع مبدأ الخلافة والشورى الإسلامية، لكنها انتبهت بعد سلسلة تجارب، الى ان الديمقراطية مركب ووسيلة محمودة العواقب للوصول الى السلطة، وتحويلها عبر "الشرعية" الى ما تصبو اليه من الولاية الإسلامية، عبر حلقاتٍ متصلة من تطويع الآليات الديمقراطية، وتغيير البُنى الدستورية، وتفكيك هياكل الدولة المدنية، وترويض المجتمع وأفراده ومؤسساته بقوة التابوات الدينية "المكيّفة"، المعزولة عن ظروفها الموضوعية، ونواميس أزمنتها.
وقد نجح التيار الاسلامي السياسي، في مرحلة تآكل سلطة "الدولة الوطنية" وافتضاح النزعة الاستبدادية "الوراثية" لقياداتها، بتوظيف التشوّهات في التراكيب الهيكلية للدولة "الوطنية"، والتناقضات المستعصية التي تنخر كيانها، وتضعها في حالة عزلة متفاقمة مع قواعدها التي تزداد غربتهما عن بعضهما، في نشاطاتها التعبوية بين المريدين والجماهير المعزولة والمغيبة معرفياً.
وفي جانب هام من دعاواها، لكسب التعاطف والدعم ضد هذه الأنظمة، حتى قبل أن تنسلخ منها نسبياً، جرى التركيز على أن معاناة الناس وحرماناتهم في ظل الأنظمة المذكورة، يعود سببها، لطابعها "العلماني - المدني" وتنكرها للروادع الطقوسية القيمية للدين، وانحيازها للأيديولوجية "الاشتراكية" و"التقدمية" في معالجة الاشكاليات الاجتماعية - الاقتصادية، وتحولها الى جسر لعبور قيم وعادات غريبة عن الإسلام. واستفادت في هذه الدعاوى المضللة من علاقات الانظمة "الوطنية الاستبدادية" مع الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة "الاشتراكية"، وهي علاقات انطوت على التباسات وتعقيدات سياسية وايديولوجية، في ظل الصراع العالمي، ولم تكن تتحرك في الواقع سوى على مصالح تقتضيها التوازنات الدولية، والانحيازات التي تقررها وتفرزها.
ان جوهر الصراع الذي احتدم في ظروف تاريخية، شهدت تحولات سلبية في حركة التقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي، وانكفاءٍ وانحدارٍ لما كان يُشتبه بها، كتجليات لها في "السلطة الانقلابية الوطنية"، مع تيار الاسلام السياسي "المحافظ"، كان يدور حول الإصلاحات "الاجتماعية - الاقتصادية" التي تمس أقانيم المال والسلطة، وتستهدف تحقيق قدرٍ من "العدالة الاجتماعية"، وإحياء مفهومٍ للمواطنة المبنية على مبادئ إنسانية باتت سمة العصر الراهن، يُزيح ضغط القيم والمفاهيم الرثة الآتية من طيّات التاريخ شبه العبودي، في أمصار الإمبراطورية العثمانية.
لم يكن الدين بمبادئه وقيمه، وقد كان طبعاً سائداً تطبَّع به المسلمون في سائر أقطارهم، موضع الصراع بين المجتمع وتيارات الإسلام السياسي، بل الاصطفاف الى جانب المظلومين، المضطهدين، المهمشين، من المسلمين، او الانحياز الى اباطرة المال والسلطة..
ذلك كان جوهر الصراع، وفيه يمكن البحث في عمق التاريخ الإسلامي، عن مكامن الخديعة.
يتبع...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram