TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ألحان ثورية

ألحان ثورية

نشر في: 23 فبراير, 2014: 09:01 م

ما تذكره كتب التاريخ عن حماسة العرب وشجاعتهم وكرمهم ونبلهم وفروسيتهم ، مجرد كلام من الماضي ، وما شهدته المنطقة العربية من احداث و"مصايب" على مدى مئات السنين ، اثبت بالدليل القاطع ، ان صفات القوم اندثرت ، وماتبقى منها اليوم ، لا يتعدى المسلسلات التاريخية للاشارة الى ان أمجاد بعضها وهمية واخرى صنعها الخيال ، موجهة الى الجيل الحاضر ، ليتعلم من أسلافه الدروس والعبر ، في شن الغزوات ، وحمل السلاح لحرق ديار الاخرين واستباحة أرضهم وعرضهم والعودة بالغنائم ، وتقاسمها ، فيذهب الثمين والنفيس لكبار القوم من واضعي ستراتيجيات الغزو ، والمشرفين على تنفيذ الصولة في ليلة ظلماء ، وكتب التاريخ تتحدث عن معارك ونزاعات، راح ضحيتها الاف الابرياء ، لم يذكر المؤرخون اسماءهم ، وانما ركزوا على بطولات من تلبستهم نزعة الغزو للاستحواذ على ممتلكات الغير بالقوة .
تلك الصفحات من التاريخ العربي ، يحاول بعض المغامرين اعادتها ، في مسعى لتحقيق أمجاد جديدة ، تكتب بأسماء القتلة الجدد لإثبات حضور في فوضى عارمة ، أعطت لكل فرد حق حمل السلاح ، والمنطقة العربية المضطربة سياسيا وامنيا على الدوام هي الساحة الوحيدة في العالم فتحت العديد من الجبهات للقتال الداخلي ، بين من يهدف للحفاظ على نظام حكم زعيم حالفه الحظ في الحصول على دعم خارجي ، وبين من يسعى لإزاحته بالقوة وباي ثمن وهو الاخر مدعوم من جهات خارجية .
الحروب الاقليمية ، في ضوء التجربة ، لم تسفر عن منتصر ومندحر ،ولكنها تخلف تداعيات اقتصادية واجتماعية ، فضلا عن خسائرها البشرية والمادية ، والدولة صاحبة العقل تستطيع اختزال سنوات الخراب ، بمدة قصيرة ، اما الاخرى فتكتفي بأوهام تحقيق النصر ، بإقامة النصب والتماثيل وأقواس النصر في ساحاتها ، وتعجز عن رفع لغم واحد من شريطها الحدودي أثناء حربها مع جارتها ، وتسخر إعلامها وحتى ثقافتها لترسيخ أوهام الانتصار في أذهان شعبها ، وهو على يقين بانه دفع ثمن الحرب باهظا ، وصدق أكذوبة ان يكون مشروع استشهاد دائم للدفاع عن قائد الصولة ورغبته في إضافة المزيد من البعران لقطيعه .
في التاريخ الشعبي قصة تتحدث عن شاعر من البادية يدعى "عراك طايس" يجيد الغناء على انغام ربابته ، كان متابعا لأخبار الغزوات والنزاعات بين القبائل ، وحينما تنتهي الغزوة لصالح احدهم يتوجه الى دياره لينشد قصائد المديح للمنتصر ، في مضيفه ، وعندما تجف القريحة ، ويجافيه شيطان الشعر ، يتناول في "الكصيد" البعران والخيل وحتى الكلاب فهي الاخرى جديرة بالمديح لانها من غنائم الغزوة المباركة، ويقضي الضيف أياما ثم يعود الى دياره محملا بالهدايا ، بصحبة عدد من رجال الحماية خشية تعرضه لقطاعي الطرق وسلب ممتلكاته ، حكاية "عراك طايس " تتجدد في بلاد العرب ، وربما استعد أحفاده لتجديد نشاط سلفهم بإنشاد الحان ثورية ، للحصول على الهدايا والعطايا ، بعد عودة الغزوات والصولات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram