ما تذكره كتب التاريخ عن حماسة العرب وشجاعتهم وكرمهم ونبلهم وفروسيتهم ، مجرد كلام من الماضي ، وما شهدته المنطقة العربية من احداث و"مصايب" على مدى مئات السنين ، اثبت بالدليل القاطع ، ان صفات القوم اندثرت ، وماتبقى منها اليوم ، لا يتعدى المسلسلات التاريخية للاشارة الى ان أمجاد بعضها وهمية واخرى صنعها الخيال ، موجهة الى الجيل الحاضر ، ليتعلم من أسلافه الدروس والعبر ، في شن الغزوات ، وحمل السلاح لحرق ديار الاخرين واستباحة أرضهم وعرضهم والعودة بالغنائم ، وتقاسمها ، فيذهب الثمين والنفيس لكبار القوم من واضعي ستراتيجيات الغزو ، والمشرفين على تنفيذ الصولة في ليلة ظلماء ، وكتب التاريخ تتحدث عن معارك ونزاعات، راح ضحيتها الاف الابرياء ، لم يذكر المؤرخون اسماءهم ، وانما ركزوا على بطولات من تلبستهم نزعة الغزو للاستحواذ على ممتلكات الغير بالقوة .
تلك الصفحات من التاريخ العربي ، يحاول بعض المغامرين اعادتها ، في مسعى لتحقيق أمجاد جديدة ، تكتب بأسماء القتلة الجدد لإثبات حضور في فوضى عارمة ، أعطت لكل فرد حق حمل السلاح ، والمنطقة العربية المضطربة سياسيا وامنيا على الدوام هي الساحة الوحيدة في العالم فتحت العديد من الجبهات للقتال الداخلي ، بين من يهدف للحفاظ على نظام حكم زعيم حالفه الحظ في الحصول على دعم خارجي ، وبين من يسعى لإزاحته بالقوة وباي ثمن وهو الاخر مدعوم من جهات خارجية .
الحروب الاقليمية ، في ضوء التجربة ، لم تسفر عن منتصر ومندحر ،ولكنها تخلف تداعيات اقتصادية واجتماعية ، فضلا عن خسائرها البشرية والمادية ، والدولة صاحبة العقل تستطيع اختزال سنوات الخراب ، بمدة قصيرة ، اما الاخرى فتكتفي بأوهام تحقيق النصر ، بإقامة النصب والتماثيل وأقواس النصر في ساحاتها ، وتعجز عن رفع لغم واحد من شريطها الحدودي أثناء حربها مع جارتها ، وتسخر إعلامها وحتى ثقافتها لترسيخ أوهام الانتصار في أذهان شعبها ، وهو على يقين بانه دفع ثمن الحرب باهظا ، وصدق أكذوبة ان يكون مشروع استشهاد دائم للدفاع عن قائد الصولة ورغبته في إضافة المزيد من البعران لقطيعه .
في التاريخ الشعبي قصة تتحدث عن شاعر من البادية يدعى "عراك طايس" يجيد الغناء على انغام ربابته ، كان متابعا لأخبار الغزوات والنزاعات بين القبائل ، وحينما تنتهي الغزوة لصالح احدهم يتوجه الى دياره لينشد قصائد المديح للمنتصر ، في مضيفه ، وعندما تجف القريحة ، ويجافيه شيطان الشعر ، يتناول في "الكصيد" البعران والخيل وحتى الكلاب فهي الاخرى جديرة بالمديح لانها من غنائم الغزوة المباركة، ويقضي الضيف أياما ثم يعود الى دياره محملا بالهدايا ، بصحبة عدد من رجال الحماية خشية تعرضه لقطاعي الطرق وسلب ممتلكاته ، حكاية "عراك طايس " تتجدد في بلاد العرب ، وربما استعد أحفاده لتجديد نشاط سلفهم بإنشاد الحان ثورية ، للحصول على الهدايا والعطايا ، بعد عودة الغزوات والصولات.
ألحان ثورية
[post-views]
نشر في: 23 فبراير, 2014: 09:01 م