قال لي مبدع عراقي مثقف من جيل السبعينيات انه عاد الى العراق بعد طول غيبة ليقدم شيئا من إبداعه بعد ان توفر شرط الحرية الذي كان ينشده لكنه اصطدم بجدار روتين لم يشهد مثله في كل البلدان التي زارها ووجد في وزارة الثقافة ما لا يمت للثقافة بصلة فهي تسير على نظام ( كتابنا وكتابكم وتعال باجر وجاي من طرف فلان ) الذي يحافظ وبإصرار على تأخر البلد و( تخلفه ) في عملية تسيير العمل في دوائر الدولة ، كما انها تقابل حماس المبدعين من العائدين بعد غياب والشباب من الجيل الجديد بعبارة ( ماكو فلوس ) التي تسبب للكبار أمراضا مزمنة وللشباب إحباطا نفسيا ..لهذا اكتفى المبدع بإنجاز مشروعه الإبداعي بأقل التكاليف و( تلزيك ) كما هو الحال في مشاريع كبيرة تجاوزت كلفة الإعلان عنها والتهليل لها كلفة إنجازها لأنها سارت على قاعدة ( التلزيك ) الملائمة جدا في عصر ملء الجيوب بالمال الحكومي وانفاق اقل ما يمكن إنفاقه على المشاريع الخدمية منها والثقافية ولا ضير ان تكسرت أرصفة او تفتتت جدران بعد فترة قصيرة على إنجازها فلربما ( الكاع عوجة ) أو( الرطوبة ) شديدة في العراق ...
عدد من الموظفين في احدى دوائر الدولة اسعدهم مرور المدير العام بهم خلال جولة صباحية اذ اعتادوا على تأمل أناقته من بعيد وتنشق عطره (الماركة) دون ان يحلموا بالتحدث معه ..لملم احدهم اطراف شجاعته وقال له بأدب لا ينقصه التوسل، ان حجرتهم بحاجة الى مستلزمات بسيطة فاثاثها قديم ومتآكل وستائرها بالية متصورا ان المدير العام سيأمر فورا بتخصيص مبلغ بسيط من ( ميزانية ) الدائرة لتجهيز حجرتهم او يخاطب الوزارة بكتاب يطالبها فيه بأثاث جديد وتجهيزات حديثة تجعل من دائرته واجهة جميلة للزوار والمراجعين وتحث الموظفين على المثابرة بالعمل لكن المدير العام نظر الى الموظف بعين لا تخلو من تهديد وقال له بصوت لا يخلو من سخرية : " ولماذا لا تضحون من اجل العراق ..الوطن يحتاج الى تضحياتكم ..اعملوا بالممكن وتعاونوا على تصليح الأثاث وتجهيز الحجرة" ..
بهت الموظفون ولم ينبس احدهم بكلمة حتى خرج المدير تاركا وراءه بقايا عطره ( الماركة ) لتنعشهم من الصدمة !
يبدوا ان العراق سيظل دائما بحاجة الى التضحيات ..اعتاد أبناؤه على تقديم التضحيات ..ضحوا ويضحون بدماء أبنائهم.. بمستقبلهم .. بأحلامهم .. ومازالت ( القطط السمان ) تطالب المستضعفين بالتضحية .. ألا يحق لهم التمتع بشيء من الرفاهية وبالحياة التي تحولت لديهم الى مشروع تضحية دائم ..؟
الغريب ان العراقيين مازالوا قادرين على التمسك بأحلامهم والرغبة في التغيير الحقيقي والبدء من جديد لكنهم محاطون بعقول يجمع بينها قاسم ( الجشع والأنانية والجهل ) لذا سيظل إبداعهم يصطدم يوميا بعشرات الجدران الصلدة وتظل أحلامهم تسفح على الأرصفة كدماء أبنائهم ..وتظل ( القطط السمان )تطالبهم باستمرار بالمزيد من التضحيات ...
القطط السمان
[post-views]
نشر في: 24 فبراير, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
كاظم الأسدي
لقد ثبت صدام أن العراقي مشروع دائم للاستشهاد !! وهم على نهجه سائرون وكذلك قادتهم