-4-
من وظائف الموسيقى الفيلمية الأخرى ، تحديد معالم الشخصية ، الذي يمكن أن يتم الإيحاء به من خلال الألحان الموسيقية المكررة . وكما يبيّن جان بيير شيفر بشأن مسألة استخدام اللازمة الموسيقية قائلا ، (( إذا ما حدث لدى الاستماع الأول للمصاحبة الموسيقية أن كثفت هذه المصاحبة الإيحاء بالمناخ اللحني ، فإن تكرار اللازمة سيتيح ، خلال مجرى أحداث الفيلم ، نوعا من الدلالة الحقيقية للموسيقى ، بمعنى ، أن محتوى الموسيقى سيكون في آن معا ذهنيا وعاطفيا ، وقد يكون في اللحظة نفسها ثمة تفاوت بين ما تظهره الصورة وما تؤكده الموسيقى ، وإنه لتناقض تصبح الموسيقى بفضله واحدة من الشخصيات اللامتوقعة ، غير القابلة للإمساك . )) .ولنا أمثلة عن هذا النوع المليء بالذكاء والفاعلية من أنواع استخدام الموسيقى ( في أفلام مثل " قصة حب " ، " فطور في تيفاني " ، " صائد الغزلان " ) ، حيث تتدخل الموسيقى في بنيان الفيلم ، فيصبح لها دور درامي فاعل . ففي " قصة حب " ، تتجلى فاعلية الموسيقى هذه في المشهد الذي يخرج فيه أوليفر من المستشفى بعد وفاة جيني ، يسير في الشارع ذاهلا ، فتبدأ اللازمة الموسيقية لفرانسيس لي ، التي كانت تهيمن على أغلب مشاهد الفيلم ، لكنها هذه المرّة ما أن تبدأ حتى تُقمع ــ أو تغص حزنا ــ بأصوات ضجيج الشارع وأبواق السيارات ، وتتكرر على هذا المنوال ؛ موسيقى مبتسرة ، تُقطع في كل مرّة ، لتعبّر عن قصة حب عمرها قصير . هنا تصبح الموسيقى (( شخصية لا متوقعة )) ، في مشهد مثير للمشاعر .
مثال آخر عن لازمة موسيقية تصاحب الشخصية ، في " حدث ذات مرّة في الغرب " ، حيث ترافق موسيقى الهارمونيكا شخصية البطل ، تشارلز برونسن ، أو تنبئ عن الشخصية قبل حضورها في المشهد ، كما يحدث مع جاسون روباردز ، الذي يمثل دور الشرير، فنحن نعلم بوجوده قبل أن نراه في الكادر ، من خلال لازمة من لحن ساخر بآلات نحاسية ، يبدو ناشزا . ويُعدّ هذا العمل قمة أعمال المؤلف الموسيقي الكبير أينيو موريكوني ، مع موسيقى فيلم " المهمة التبشيرية " . فاللازمة الشهيرة في هذا الفيلم التي يؤديها جيرمي آيرونز أمام السكان الأصليين بأنغامها الرخية التي تدعو إلى الحب ، ستتكرر في الفيلم لتتحول في المشهد الختامي مرثاة لقمع الحب وسيادة الكراهية .
لعبت موسيقى الأفلام دائما دورا أساسيا في تشكيل وعي المشاهد ، ويمكن أن يُنسَب إليها ذلك السحر الناشئ عن الصورة السينمائية ، ولعل انجذاب المشاهد لبعض الأفلام يعود إلى موسيقى هذه الأفلام . على سبيل المثال ، فيلم " رجل وامرأة " لكلود ليلوش ، الذي كتب موسيقاه فرانسيس لي ، و" المحترف " لجان بول بولموندو ، للمايسترو أينيو موريكوني . هذه الموسيقى أضفت على مشاهد الأفلام سحراً وخيالاً .
يجب أن نلاحظ أنّ من المهم بالنسبة للأفلام ليست القيمة الذاتية للموسيقى ، وإنما أن تكون مناسبة من الوجهة الدرامية ، وأن تكون هناك مطابقة سليمة بين إيقاعها والإيقاع التصويري للفيلم . وكما يشير آرون كوبلاند ، فإن على المخرج أن يعرف ما يريد من الموسيقى دراميا ، ويترجم هذه الحاجات الدرامية إلى مصطلحات موسيقية . من الجانب الآخر ، الإحساس الحي بأسلوب الفيلم ، والفهم العميق لقوانين التأليف السينمائي يوحيان للمؤلف الموسيقي بحلول ناجعة للإفصاح الموسيقي عن المواضيع السينمائية.
عندما نسمع الصورة
نشر في: 26 فبراير, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)