بعد تراجع مجلس النواب الأردني، عن المطالبة بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل نتيجة تدخلات كثيفة، فإنه وللمرة الثانية صوّت على طرد السفير الإسرائيلي في عمان. لم تتجاوب الحكومة مع الأولى، والأرجح أنها ستعيد الكرة، لعدم قدرتها ورغبتها في المقامرة بكل ما سعت الدولة لتحقيقه، من خلال تكريس صورة الأردن كصانع سلام، ووسيط نزيه لتحقيقه، خصوصاً في وقت يدعم فيه على المستوى الأرفع، مهمة وزير الخارجية الأميركي، لوضع إطار للاتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل، رغم أن السبب اليوم، هو تهديد الكنيست بنزع الولاية الدينية الهاشمية عن المسجد الأقصى، ما يعني تهديد بنود معاهدة السلام مع إسرائيل، لأن الاتفاقية تمنح الأردن هذا الحق، وهو يتمسك به كورقة لصالحه، عند بحث مواضيع الحل النهائي.
إن رغبت الحكومة بالتعاطي سلباً مع توصية النواب، فإنها قد تلجأ لتسريع إقرار قانون الانتخابات، ما يعني حل المجلس وإجراء انتخابات مبكرة، وهو أمر يحظى برضى الشارع، الذي سينسى التوصية التي لانشك بأن بعض الأعضاء اعتمدها بدوافع نبيلة ووطنية، وأن آخرين سعوا اليها نكاية بالحكومة، بينما أيدها آخرون خوفا من التعرض لاتهامهم بفقدان الحس الوطني، غير أن المهم أن الحكم النهائي على الخطوة، مرتبط بالقدرة على التنفيذ، لا أن يتوقف الأمر عند مُجرد إشهار الموقف، وإذ يعتقد البعض أن الأردن، سيوظف موقف برلمانه للضغط على إسرائيل، ومنعها من نزع الولاية الدينية، فإن المؤكد أن إسرائيل ليست معنية بأمر ينتقص من مشروعها دينياً وسياسياً، حين يحرمها من السيطرة على الأقصى، وأنها لن تتأثر أصلاً بأي محاولة لتوظيفات من هذا النوع.
صحيح أن توصية النواب تعبر عن نبض الشارع، الذي لم يلمس آثاراً إيجابية من معاهدة السلام، لكن الصحيح أيضاً أنه يعتبر الخطوة ناقصة، لثقته أن الحكومة لن تغامر بالاحتكاك مع إسرائيل، بعد أن ناضلت طويلاً لانتزاع اعترافها بحدود الدولة الأردنية، وإذا ظن البعض هنا أو هناك، أن الأقصى مفتاح سلام، فإن آخرين وهم ينظرون إلى نزع آخر راية عربية عن قبابه، كخطوة تسبق تقاسمه أو هدمه، يؤكدون أن المسجد الأسير سيكون سبباً للحرب ، صحيح أيضاً أن التوصية ليست ملزمة دستورياً للحكومة، لكنها ملزمة لها عملياً وسياسياً، فالنواب قادرون على المضي في خطوتهم، بإلزام الحكومة بتنفيذها عبر التلويح بطرح الثقة بها، خصوصاً وأن الغضب الشعبي يطاول إقامة العديد من المشاريع والاتفاقيات المشتركة، وتسخين السلام مع الدولة العبرية اقتصادياً وتجارياً، كما في مشروع قناة البحرين، ولا يتوقف عند حدود العلاقات الدبلوماسية الطبيعية.
خطوة النواب الإعلامية في ظاهرها، هي سياسية بامتياز، لكونها تتناول العبث الإسرائيلي في نصوص معاهدة السلام معها، وعلى هامشها اجتمع عدد من المتقاعدين العسكريين ، مع بعض معارضي التسوية السياسية في حركة فتح ، للتأكيد على عروبة فلسطين من البحر إلى النهر، ورفض وجود السفارات الإسرائيلية على أي أرض عربية، والتصدي بكل الوسائل لخطة كيري المشبوهة، ودعم محور المقاومة الذي يمتد من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق وصولاً إلى إيران، والعمل من أجل أن يكون الأردن جزءاً من هذا المحور، ما يطرح سؤالاً عن إمكانية إقدام الأردن على طرد السفير، وإذا فعل ذلك، فمن سيحميه من ردود الفعل الأمريكية والدولية، وماهي كلفة ذلك، وهل سيمنح ذلك لإسرائيل ذريعة لمزيد من التصعيد ضد الأردن؟