سعد أحمد

لم يخطر ببال مبتكر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وكذلك المبتكرات الاجتماعية الأخرى التي تزداد على الشبكة العنكبوتية، أن هذه النوافذ التي اختزلت ملايين الكيلومترات ومليارات البشر في نقطة افتراضية تومض وتتفتح مع أول كبسة اصبع، لتتحول إلى ميدانٍ فسيح للتفاعل الإنساني، يمكن أن يوظفها بشر ممسوسون، تتسلل من أصابعهم فيوض الحقد والغيض، وانتهاك الحرمات، والانهماك في الدعوة للرذيلة والافتراءات، وحتى استمراء القتل على الهوية والتحريض على الفتنة.
ومع وضع اليد على المال العام والاستفادة من صناديق شراء الذمم، بدأت المكاتب القيادية في الدولة الفاشلة وحكومتها الفاشلة، بفتح آلاف الحسابات في مواقع التواصل، وفبركة شبكة من المواقع الخبرية والخدمات الإعلامية المقنَّعة بأسماء وصفات، ليست في واقع الحال، سوى الوجه المستور لقادة في الدولة، ومكتب رئيس مجلس الوزراء والمحيطين به.
وظيفة هذه المواقع، بمختلف مسمياتها، تبييض سمعة أوليائها الذين يبذخون عليها وعلى المرتزقة ممن عُهدت اليهم إدارتها، وهم بالمناسبة في غالبيتهم من المفطورين على مثل هذه المهمات منذ عهد الطاغية السابق وولده، الذي عوضه الله بنسلٍ جديدٍ، اكثر دراية وحنكة بالسرقة والابتزاز. وتتعدى المهام الموكولة لمرتزقة الصحافة الطارئين عليها، الى تشويه سمعة المعارضين وتلفيق شتى التهم وإلصاقها بهم، والتخطيط عبر الوسائل المذكورة وغيرها لتسقيطهم اجتماعياً وسياسياً. وهذه أيضاً ممّا اعتمدها النظام الدكتاتوري السابق، وكل الأنظمة المستبدة. ومن المعروف عالمياً، ان وزير دعاية هتلر، غوبلز، كان له الباع الاطول في هذا النمط من  "الدعاية القذرة" وهو صاحب المقولة الشهيرة "اكذب ثم اكذب، حتى يصدقك الناس"!
والغريب ان "إسلاميينا السياسيين"، والإسلام بُراء منهم، بزوا غوبلز، بما يبتكرونه من اساليب، تثير الاشمئزاز في نفوس رواد الشوارع الخلفية المشبوهة. وهم لا يخجلون من ربط مواقعهم ووكالات أنبائهم ومصادرهم الخبرية المفبركة والمبتذلة، بالمدن المقدسة. فاكثر من واحدة من هذه المواقع والوكالات والمصادر التلفيقية تنطلق "تمويهياً" من النجف الاشرف وكربلاء، بالاضافة الى بغداد، التي تشرف مطلقوها بتسمية "سرسرية بغداد" وهي تليق بهم وبمن يتولى إدارتها، اذ توحي عبر ما ينشر فيها من مواد، بأنهم خبروها ومارسوا "فضائلها"!
في مراحل الحرب الباردة كان القطبان المتحاربان يتفننان في اساليب الفبركة ونشر الاشاعات والاخبار الكاذبة. ولكي يبدو للقارئ، ان ما يُنشر حقيقة لا يأتيها الباطل من "فوقٍ أو تحت"، كانت اجهزة مخابرات المتحاربين، تنشر ما تريد في صحيفة مغمورة، في مجاهل افريقيا، او امريكا اللاتينية "كاعلان مموه مدفوع الثمن"، ثم تعيد نشره باوسع نطاقٍ، استناداً الى المصدر المذكور، مسبوقاً بالعبارة المُفخمة "نشرت الصحيفة (او الاذاعة او اي مصدر آخر) الواسعة الانتشار والمعروفة على نطاق واسع .."!
صبيان الدولة الفاشلة، المدربون في مدرسة عدي والمخابرات البعثية، التقطوا الفكرة دون ان يتقنوا آلياتها، وتصوروا أن اعتماد مصدر أوربي، مثل بلجيكا او النرويج، هو اكثر مدعاة للتصديق، منطلقين ايضاً من ان لغة مثل هذه الدول غير معروفة، ولهذا يسهل إمرارها على الجمهور العراقي.. وهات وانشر ما تشاء من الاكاذيب والترهات نقلا عن "صحيفة نرويجية او بلجيكية او ما شابههما"، حيث يعاد نشرها في وكالة "نجفية" يمولها "حمودي" او أقرانه الجدد..!
نصيحة لوجه الله، اعتمدوا على مصادر إفريقية او صومالية او أثيوبية، فلغتها مجهولة حتى على مواطنيها الذين يتحدرون من مئات القبائل واللهجات واللغات، وانشروا على لسانها ما يكرس ولاية المختار.