اعتذر لكم، عن العودة إلى مسألة تجارب الأمم، وما تفرضه هذه التجارب من المقارنات، فكلما حدث حادث غريب ومثير على ارض العجائب التي كانت تسمى من قبل ارض الرافدين ، استذكر هذه "الجزيرة" سنغافورة التي تحولت خلال سنوات قصيرة الى واحدة من اكبر اقتصاديات العالم، منذ اشهر ورئيس مجلس الوزراء يطوف المدن من البصرة الى ذي قار، مرورا بكربلاء والحلة والنجف، يحمل بيديه سندات أراضٍ ووعود بالمستقبل الزاهر لمخاطبة احتياجات الفقراء.. وشاهدنا على الهواء مباشرة كيف يقايض رئيس مجلس الوزراء عوز الناس ومعاناتهم، بأنهار من العسل وبمدن تضاهي سنغافورة وطوكيو ؟!
إنه المنطق القديم نفسه: مقايضة الضعفاء على قيم العدالة الاجتماعية والرفاهية والاستقرار والأمان والحرية، بجسر من الوعود التي سرعان ما تتبخر بعد أن يتشكل البرلمان ويجلس البعض على كراسي الوزارة، منطق يعتمد على أحدث وأقوى آلات وبرامج العشوائية المنظمة فى كل أمور حياتنا، من السياسة إلى التعليم، حتى "صخرة عبعوب"!، ولهذا تذكرت سنغافورة وانا اقرأ التصريح الذي اطلقه عضو مجلس محافظة كربلاء محمد الموسوي والذي قال فيه: "ان الأراضي التي وزعها رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي مؤخراً في المحافظة والبالغ عددها 1300 قطعة غير موجودة اصلاً على ارض الواقع".
في كل خطاب للمالكي أسأل نفسي لماذا تزدهر مدن العالم، فيما تتراجع أقضية ونواحي تغفو بيوتها العتيقة على بحيرات من الثروة؟ سيقول البعض كلاما كثيرا عن الإرهاب وتعطيل عملية البناء والفوضى السياسية، وهذا واقع، غير أن المسألة كما يبدو من مفردات الحالة الثورية التي ظهر بها السيد رئيس مجلس الوزراء خلال الأشهر الماضية، تنبئ بأن جهدًا مراوغا يبذل لإعادة إنتاج نظرية جديدة تتحول فيها حقوق الناس إلى "مِنّة" يتفضل بها المسؤول، وأن هناك أصواتا تنشط هذه الأيام في محاولة تثبيت نغمة "الشكر لولي الأمر"، في الوقت الذي يعلم الجميع أن هؤلاء أول من سلب من فقراء بغداد والبصرة والأنبار وصلاح الدين والناصرية، حقهم في العيش بكرامة وطمأنينة، والأهم حقهم في التمتع بثروات بلادهم.
سألني صديق: هل يعقل ان تطلب دولة بحجم الصين المساعدة من جزيرة اسمها " سنغافورة "؟!. وأحيل الصديق الى مذكرات باني سنغافورة الحديثة "لي كوان" والتي أصدرتها "دار العبيكان" بترجمة مترجم مخضرم " هشام الدجاني " بعنوان " قصة سنغافورة" ، يروي "لي كوان يو " في كتابه كيف بدأت مسيرة سنغافورة، بلد كان على هامش التاريخ ولم تكن فيه سوى المستنقعات والفقر واقتصاده يعتمد على إيجار قاعدة عسكرية للبريطانيين. كان لي كوان في مقتبل حياته يحلم ببناء وطن للناس وليس له، وحين أتت الفرصة بنى المصانع وأمر الناس بالعمل لا بالتذمر. وأغلق السجون وفتح المدارس. وطبّق حكم القانون، فأقام في آسيا نموذجاً مناقضاً لجمهوريات الاستبداد والخوف يقول لي كوان: "لقد أدركت الحكمة الصينية التي تقول: سنة واحدة ضرورية لكي تنمو بذرة قمح، وعشرٌ ضرورية لكي ينمو إنسان. وعملنا على إنتاج مجتمع آمن ومستقر، وركزنا على الثقافة والفنون، فتمكنَّا من تكوين أشخاص قادرين على اختيار مواقعهم ووظائفهم، ومؤمنين بأن الحياة تستحق العناء من أجلهم وأجل أبنائهم". حكايات لي كوان كثيرة لكن ابلغها تلك الوصفة السحرية للحكم والتي تتلخص في الثقة بالانسان ، حب الحياة، السعي لمعرفة كل شيء، والاهم الإيمان بقدرة الانسان على صنع المستحيل، بهذه الوصفة استطاع لي كوان ان يحول سنغافورة من مستنقع فقير الى قوة اقتصادية كبرى، وان يبني واحدة من معجزات القرن العشرين.
والسؤال الآن: لماذا لا يسعى المالكي إلى قراءة تجارب الشعوب، ولتكن تجربة سنغافورة نموذجاً يطلع عليه، إذا كان لديه فسحة من الوقت الذي خصصه لمعارك المصير؟ لماذا يصر ان نبقى غارقين في زمن العطايا والمنح الذي تصورنا انه انتهى، لماذا يريد لنا البعض ان نعيش في ظل نظام أشبه بالوكالات التجارية التي تنتج مزيدا من الفقراء، وتستبدل التنمية والعدالة الاجتماعية، بسياسات توزيع الهبات والصدقات لتعوِّض بها فشلها، لماذا لا يسعى رئيس مجلس الوزراء الى تأسيس نظام سياسي واقتصادي يقوم على مبدأ توازُن الطبقات وحماية الفقراء ونشر العدالة لا الفقر والظلم والإقصاء والاستبداد وآخرها الضحك على البسطاء.
"سندات" المالكي في سنغافورة
[post-views]
نشر في: 3 مارس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 14
أبو سعد
نكران الذات للسيد لي كوان غير حب الذات لدى قادة المشهد السياسي وخدمهم.
أحمد عباس
جميل ان نستعين بدروس من التاريخ الانساني ونحن نعيش حالة في غاية التعقيد على شتى الميادين والاصعدة في عراقنا الجريح ولكن من يتعظ ويستلهم الدروس ليستفيد منها في تجربته المحلية فنوري المالكي وغيره من الانتهازيين الذي خدعوا الناس بسندات مزورة فقط كانت غايته ش
رمزي الحيدر
الجواب واضح أنه لا يملك مؤهلات رئيس وزراء ، القيادة تحتاج الى مستوى من الثقافة الفكرية و الاجتماعية والسياسية و الرجل أثبت أنه لا يملك منها شيئاً. ( ظَرط ) الزمان ووجد نفسه على كرسي القيادة.
امبن عبدالله
الاستاذ علي ..اشم في رائحة مقالك,ما يشبه الايمان بان المالكي,سيفوز بولايه ثالثه!! فاذا تفضلت بالنفي,ما معنى اذا ان تقدم له هذه النصائح ةالدروس في اسلوب قيادة الدولة؟؟ باقي للانتخابات 60 يوما,والناس تعدها لتتخلص من جحيم افكارهم المتعفنه.. تحياتنه.(عراقي
حامد الحلي
المالكي رجل مرحلة معينة وأنتهت وهو غير قادر على ان يقود البلد , لابد من السماح للكفاءة بتسنم القيادة
حنا السكران
هذه سندات اراضي لعراقيين والعراقيون يستحقون اينما كانوا وفي اي وقت ولكن السؤال من يحق له منح 100 الف برميل نفط للاردن مجاناوالادهى نفط مخفض , من يملك النفط ويتصرف به كما يشاء وايه منحة خارجيه لاي بلد اليس البرلمان الممثل للشعب فعلا من يملك الحق .
ابو سارا
باختصار لانه غير منتمي لحزب ديني
ابو ذر
ليش رئيس الوزراء يعرف دولة اسمها سنغافورة رجاءا اتركوا العالم فنحن في عالم آخر عالم البدواة والصحراء وليس لنا اي عﻻقة بالعالم المتحضر!
علي اللامي
العراق يحتاج الى رجل قوي لحكمه مع قليل من الغيرة وحب الوطن يعني ليس كالحجاج وصدام حسين بل مثل الجنرال فرانكو رئيس اسبانيا او مثل اتاتورك او محمد علي باشا او مثل مسعود البارزاني بينما المالكي رجل ضعيف وجبان وغير قادر على حسم اي ملف بل الشئ الوحيد الذي يتقن
داخل السومري
الفرق بين لي كوان وأمير المؤمنين المالكي هو ان لي كوان كان خاليا من الدوكما الدينيه فيكون في هذه الحال متفتح العقل،متطلع الى ما يدور حوله من التقدم الانساني في العالم المتحضر،ولم يكن لي متشبعا في طقوس دينيه اكل الدهر عليها وشرب،ولم يشغل لي كان شعبه بالمسي
صلاح عباس
تتعكز سياسة العراق بزعامة المالكي وطائفة من الاحزاب الدينية المتخلفة على الوضع المتردي للبلاد الذي لاينتج سوى مظاهر الحروب والاقتتلال وضمنا ينتج الجهل والفقر وحالات الفساد الاداري والمالي, وموجهات المؤسسة القائمة على صناعة القرار في كل مفاصل الدولة والحكو
عادل العراقي
المالكي مشغول يوميا بقراءة صلاة الميت.
زيد
المالكي ومن أجل ولاية ثالثة أصبح كالتي تنفق في سبيل الله من كد فرجيها
وحشي
ياناس ياعالم اريد احجي بالعامية مو راح اشك اهدومي الرجال عبد ماموررر ولله عبد مامور ابعد مسافة جان يشوفها جانت هي راس الشارع وعلى غفلة صارت كلشي بيدهواخذ الوزارات جوه ابطة يعني كل هاي الملاعيب والكلاوات والمماطلة هي من بنات افكاره تره هيه كلها من ترتيب ال