المصالحة، مثل الحب، لا بد من طرفين كل منهما يحمل الزنبيل من جهة.
إنه مدخلي المجازي، لأن الواقعي هو أن المصالحة قد تقوم بين أطراف عدة لا بين طرفين حسب.
ولأنني شاعر (يعني مثقف) سيقودني مدخلي إلى مخارج عويصة تخص رؤيتي لبلدي تفصيلاً من رؤيتي للعالم.. ماذا أريد من بلدي لأتصالح معه، أو هل أتصالح معه لأنني أريد منه؟
كل علاقة في جوهرها منفعة، حتى بين أكثر الناس حميمية. لكن المنافع أشكال ومردودات متباينة وإذا ما حاولت الإيجاز سأقول: "خير الناس من نفع الناس".
مبادرة بيان المثقفين العراقيين، ومنسقهم فارس حرام الأخيرة، قبل أي شيء، موقف نبيل يصدر عن مثقفين مهمومين في قضية السلام الاجتماعي والمستقبل المدني للبلاد كي تكون وطناً، أي ردم الهوة اللغوية والجيوسياسية بين توصيفين: البلاد والوطن، فالتوصيف الأول يكنز الاغتراب والافتراق بين المواطن ووطنه بينما التوصيف الثاني يعني، ضمن ما يعنيه: وجود مواطن حقيقي في وطن حقيقي على وفق شروط المواطنة حتى لو أقرها دستور كاذب.
شخصياً، أخشى "المصالحة الوطنية" ولا أعمل من أجلها إذا كانت "توافقاً" سياسياً، اقتصادياً، براغماتياً، يكرس زعامات دينية، طائفية آيديولوجية، ويقوي من أزرها ويتيح لها قوة إضافية عدا قواها المالية/ السياسية/ الأمنية/ المليشياوية التي تحميها وتتنفذ من خلالها وتتغول، ليصبح كل من اختلف معها وعارضها عدواً مبيناً ينبغي لها أن تسحقه وتقضي عليه، وفي ألطف الأحوال: تهمشه وتستبعده وتستعبده.
لا باس، هنا، بتكرار قولة شيخي المعرّي، عندما صرخ في وجوههم: تفرّقوا يقلْ شرّكم!.
سبق أن طُرحت فكرة "المصالحة الوطنية" في فترة حكم صدام حسين، بصيغ مختلفة، أغلبها، عبر وسيط ثالث، مجموعة أو فرد، وجوبهت بالرفض من قبل غالبية أطراف المعارضة العراقية، ولم يذهب لمصافحة صدام حسين وعزت الدوري سوى نفر منبوذ قبيل سقوط دولة النشامى على أيدي الاحتلال الأمريكي.
لم يعد اليقين المسيحي بنافع، الآن وهنا، في أن أعرض خدّي الأيسر لجلادي إذا صفعني على خدّي الأيمن.. لأن جلادي، ببساطة، سيتمكن من خدّي الأيمن سواء عرضته أم لم أعرضه، وهكذا يمكن أن نحسب أعمارنا، لا بالسنوات، بل بعدد الصفعات التي تلقيناها.
كما لا تصلح نصيحة الراحل العظيم نيلسون مانديلا بأن التسامح والعفو ممكنان طالما لم يكن ثمة فصل عنصري في البلاد بين الأسود والأبيض داخل الحافلات والمطاعم والشوارع والمدارس، لأن ثمة فصلا عنصريا في البلدان الدكتاتورية أقسى بما لا يقاس مما تعرض له مواطنو جنوب أفريقيا، وهو فصل دامٍ جرى فيه فصل الشعب العراقي، برمته، عن مجموعة ضئيلة تتمثل بسلطة صدام حسين وحواشيها من الطفيليين والمنتفعين والمطبلين.
واليوم، سأتصالح.. ولكن مع من؟
استعمالي صيغة المفرد المتكلم لا يعني شخصنة قضية وطنية، فثمة من يشبهني كثيرون جداً، ممن ناضلوا وحملوا السلاح وعانوا المنفى سنين عدداً على حلمٍ بعودة ظافرة إلى "وطن" يحق الحقوق ويحفظ الكرامات ويصون ما تبقى من عرق الجبين ويكفل حياة مواطن حقيقي في وطن حقيقي.
كتبت، مبكراً، عن حال المواطن العراقي المستقل، مثقفاً أم غير مثقف، منذ مؤتمرات واجتماعات المعارضة العراقية في الخارج: دمشق، بيروت، لندن، فيينا، بما معناه: إن هذا المواطن ضحية سلطتين غير ديمقراطيتين، الأولى في بغداد العرفاء الكيمياويين والثانية في الخارج، سلطة الطائفيين و "المختلفين مع صدام" والمتحالفين مع الأمريكان وجمع غير قليل من الانتهازيين والمنتفعين الصامتين والصائتين، وهؤلاء جلهم يحكمون العراق اليوم.
وعليه، لن أتصالح.. مع تقديري الكبير لمبادرة فارس حرّام ومن معه.
سأتصالح مع من؟
[post-views]
نشر في: 3 مارس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سعد
استاذ عواد تتصالح العشائر بعد دفع الديه..ولو تصالحوا في العراق سيدفعها المواطن العراقي المستقل الذي ذكرته!ولكني اقف عند ماذكرته اتصالح مع من؟ واعتقد ان تتصالح مع ابو امجد فهو زعلان منك ولا يكلفك الصلح معه شي...!