قبل عشرات السنين ، فارق دعدوش الحياة ، وترك في منطقته الشعبية ببغداد قصةغريبة كان المرحوم بطلها ، نالت في وقت حدوثها اعجاب من تعرف على تفاصيلها ،مع اشادة بقدرته على انتزاع حقه بالقوة من مسؤول في الدولة ، عن طريق القضاء ، عندما كان موضع ثقة واحترام الجميع.
دعدوش كانت لديه عربة لنقل الاحمال يجرها حمار ، هو كل رأس ماله ، اعتاد في ذلك الزمن على تقديم خدماته لسكان الاحياء البغدادية بجانب الرصافة المعروفة بازقتها الضيقة، لم يكن يفرض سعرا محددا على نقل "القلاقيل" من حي الى اخر ، وانما يترك لاصحابها تقدير ثمن اتعابه، وعادة ما يكون اقل او اكثر من درهم فيدسه داخل "صرة" مربوطة بخيط متين بجيب "الدشداشة الصفح" ، وفي المساء وفي الدقائق الاولى لوصوله الى" خرابته " يوصي ام العيال بالاشراف على رعاية الحمار لحين تناول العلف وشرب سطل من الماء ، فيما ينزوي هو في مكان اخر ليحسب الوارد اليومي فيحمد الله ويشكره على نعمته الفضيلة ، ثم ينام مبكرا ليواصل عمله في الصباح الباكر .
قصة دعدوش تبدأ من نفوق حماره نتيجة تعرضه لحادث دهس، بسيارة يقودها سائق ارعن تبين في ما بعد انه نجل مسؤول كبير ، مرتكب الحادث حاول الهرب ، لكن المارة افشلوا محاولته ، وسط صيحات الاستنكار والتنديد، وفي تلك اللحظة اعلن سائق السيارة انه ابن فلان ، ولوح بالتهديد واستخدام صلاحيات ابيه لمعاقبة من تعاطف مع صاحب العربة ، واستغل حادث الحمار للنيل من رموز الدولة ، والتطاول عليهم بالشتائم والسباب والالفاظ السوقية، دعدوش تقدم من الشاب نجل المسؤول واخبره بانه لن يتنازل عن حقه ، وانه سيتوجه الى اقرب مركز للشرطة لرفع شكوى ،وابدى الشاب استعداده لدفع المال ، لكن الرجل اصر على موقفه ، وابدى بعض المارة استعدادهم للادلاء بشهادتهم لصالحه ، لان المنازلة من وجهة نظرهم اصبحت ذات طابع طبقي ، تستدعي التضامن لنصرة المظلومين .
الفصل الاخر من القصة يدور في قاعة المحكمة ، عندما ادعى دعدوش ان ابن المسؤول دهس حصانه وليس حماره ، فاثار التساؤل حول هذا التحول المفاجئ ، وفسره بان اعتزازه بالحمار يمنحه الحق في اطلاق اية صفة تليق بمصدر رزقه ، فطالب بتعويض مالي للمكانة الاعتبارية لحماره ، ولن يتنازل عنه سواء أكان خصمه ابن وزير او امير او مسؤول كبير في الدولة ، وصدر قرار المحكمة بالافراج عن المتهم والزامه بدفع مبلغ مالي مقداره 80 دينارا لدعدوش تعويضا عن الاضرار التي لحقت بممتلكاته .
الغريب في القصة ان معارف الرجل ومن اطلع على تفاصيل قصته ، اطلقوا عليها اسم "حصان دعدوش " متناسين الحمار ، ولم يعد يذكر اثناء سرد الحكاية ، وربما يعود سبب ذلك الى الاشادة بموقف دعدوش في انتزاع حقه وتجرده من الخوف ، والف رحمة على روحك دعدوش ، يوم انتفضت لحمارك ،وتركت قصتك تتداولها الاجيال ، ولا احد يغامر في تكرارها في زمن انتهاك حقوق الانسان.
حصان دعدوش
[post-views]
نشر في: 4 مارس, 2014: 09:01 م