TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حصان دعدوش

حصان دعدوش

نشر في: 4 مارس, 2014: 09:01 م

قبل عشرات السنين ، فارق دعدوش الحياة ، وترك في منطقته الشعبية ببغداد  قصةغريبة كان  المرحوم بطلها ،   نالت في وقت حدوثها اعجاب من  تعرف على  تفاصيلها ،مع اشادة بقدرته على انتزاع حقه بالقوة من مسؤول في الدولة ، عن طريق القضاء ، عندما كان موضع ثقة واحترام الجميع.
دعدوش  كانت  لديه عربة لنقل الاحمال يجرها حمار ، هو كل رأس ماله ، اعتاد في ذلك  الزمن على تقديم خدماته لسكان الاحياء البغدادية بجانب الرصافة  المعروفة بازقتها الضيقة، لم يكن يفرض سعرا محددا على نقل "القلاقيل" من حي الى اخر ، وانما يترك لاصحابها تقدير ثمن اتعابه، وعادة ما يكون اقل او اكثر من درهم فيدسه  داخل "صرة" مربوطة بخيط متين بجيب "الدشداشة الصفح" ، وفي المساء وفي الدقائق الاولى لوصوله الى" خرابته "  يوصي  ام العيال بالاشراف على رعاية الحمار  لحين تناول العلف وشرب سطل من الماء ، فيما ينزوي هو في مكان اخر   ليحسب الوارد اليومي  فيحمد الله ويشكره على نعمته الفضيلة ، ثم ينام مبكرا  ليواصل عمله في الصباح الباكر .
قصة دعدوش تبدأ من نفوق حماره نتيجة تعرضه لحادث دهس، بسيارة يقودها سائق ارعن تبين في ما بعد انه نجل مسؤول كبير ، مرتكب الحادث حاول الهرب ، لكن المارة افشلوا محاولته ، وسط صيحات الاستنكار والتنديد، وفي تلك اللحظة اعلن سائق السيارة انه ابن فلان ،  ولوح بالتهديد واستخدام صلاحيات ابيه لمعاقبة من تعاطف مع  صاحب العربة ، واستغل حادث  الحمار للنيل من رموز الدولة ، والتطاول  عليهم بالشتائم والسباب والالفاظ السوقية، دعدوش تقدم من الشاب نجل المسؤول  واخبره بانه لن يتنازل عن حقه ، وانه سيتوجه الى اقرب مركز للشرطة  لرفع شكوى ،وابدى الشاب استعداده لدفع المال ، لكن الرجل اصر على موقفه ، وابدى بعض المارة استعدادهم للادلاء  بشهادتهم لصالحه ، لان المنازلة من وجهة نظرهم اصبحت ذات طابع طبقي ،  تستدعي التضامن  لنصرة المظلومين .
الفصل الاخر من القصة يدور في قاعة المحكمة ، عندما  ادعى دعدوش ان ابن المسؤول دهس حصانه وليس حماره ، فاثار التساؤل حول هذا التحول المفاجئ ، وفسره بان اعتزازه بالحمار يمنحه الحق في  اطلاق اية صفة  تليق بمصدر رزقه ، فطالب بتعويض مالي للمكانة الاعتبارية لحماره ، ولن يتنازل عنه سواء أكان خصمه ابن وزير او امير او مسؤول كبير في الدولة ، وصدر قرار المحكمة  بالافراج عن المتهم والزامه بدفع مبلغ مالي مقداره 80 دينارا لدعدوش تعويضا عن الاضرار التي لحقت  بممتلكاته .
الغريب في القصة ان معارف الرجل ومن اطلع على تفاصيل قصته ، اطلقوا عليها  اسم "حصان دعدوش " متناسين الحمار ، ولم يعد يذكر اثناء سرد الحكاية ، وربما يعود سبب ذلك الى الاشادة بموقف دعدوش في انتزاع حقه وتجرده من الخوف ، والف رحمة على روحك دعدوش ، يوم انتفضت لحمارك ،وتركت قصتك تتداولها الاجيال ،  ولا احد يغامر في تكرارها في زمن انتهاك حقوق الانسان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram