بعد ولادتها قيصرياً، عانى فيها لبنان من انعدام سلطة تنفيذية كاملة الصلاحيات فترة تقرب من سنة، فإن حكومة الرئيس تمام سلام، الذي فوجئ المراقبون بسرعة الإجماع على تكليفه، مع أنه كان دخل مرحلة سبات، تقف اليوم أمام عقبة الاتفاق على نص بيانها الوزاري، الذي ستتقدم به إلى مجلس النواب للحصول على ثقته، ليكون ممكناً لها الانطلاق في مهمتها، وهي العاجزة حتى اليوم عن الاجتماع في السراي الحكومي، قبل أن نتحدث عن استحالة اتخاذها أية قرارات سياسية، والاكتفاء بمراوحتها في مربع تصريف الأعمال، الواجب السكن فيه على الحكومات المستقيلة، بانتظار تشكل الحكومة الجديدة، هرباً من حال الفراغ الدستوري.
حكومة لبنان الراهنة ليست استثنائية ولاهي مستقيلة، تكمن أزمتها في عدم اتفاق الأطراف المشاركة فيها على مفردات بيانها الوزاري، والمهم أن الخلاف يلبس ثوباً متشنجاً، خصوصاً بعد السجال الكلامي بين رئيس الجمهورية، وحزب الله المشارك في الحكومة، وأسفر عن إخفاق الجلسة الثامنة للجنة صياغة البيان الوزاري، وهي جلسة لم يتوقع أحد أن تتوصل إلى نتائج إيجابية، في ظل استمرار تعنت الفريقين بالنسبة إلى المقاومة وعلاقة الدولة بها، وقد طرح أحدهما موقفاً تصعيدياً، حين طالب بأن يكون البيان الوزاري مقدمة لبحث الستراتيجية الدفاعية، ما يعني البحث في شرعية سلاح حزب الله، وليس مجرد إغفال ذكر ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة في البيان، واعتماد ذلك سياسة مُلزمة لحكومة يرفض أكثر من نصف أعضائها ذلك.
رئيس الجمهورية بعد انفجار الخلاف بينه وبين حزب الله، غادر إلى باريس للمشاركة في مؤتمر دولي لدعم لبنان، ما يعني استبعاد حصول أي تقدم، يتيح حصول لبنان على مساعدات جدية من المؤتمرين، بسبب عدم انطلاق أعمال حكومته، التي لاتملك دستورياً حتى حق تصريف الأعمال بشكل دائم، ويقتصر هذا الحق على الفترة الواقعة بين صدور مرسوم تأليفها ومثولها أمام مجلس النواب، فتحوز عندئذ ثقته او يحجبها عنها، وهي بحكم واقعها وما يدور حول مهماتها وسياساتها من خلافات، لن تتمكن من الاستمرار هكذا بذريعة تصريف الأعمال دون أن تحكم، وهي سابقة أولى تواجهها الحياة السياسية والدستورية في دولة بلغ عمرها ما يقارب 100 عام، وتعيش أحوالاً استثنائية بكل المقاييس.
وبعد ، هل من الممكن أن يجد اللبنانيون أنفسهم يتعايشون مع حكومة تخفق في وضع بيانها الوزاري، بسبب انقسام اعضائها على صيغ وعبارات، لكنها مع عجزها أن تحكم تواصل مهمات تصريف الأعمال بدون بيان وزاري، أو ثقة مجلس النواب الذي يعيش أيامه الأخيرة، أم أن المخرج سيكون في اعتماد الرئيس سلام بياناً مقتضباً، يضع أعضاء حكومته أمام الأمر الواقع، ويدعو بعدها المجلس النيابي ليتلو عليهم بياناً أعده منفرداً، بعد حصوله على موافقة الأغلبية البسيطة في الحكومة المتعثرة، ما ينذر باستقالة الثلث المعطل، وتحويلها إلى مهمة تصريف الأعمال، وهذا أمر يرفضه رئيس مجلس النواب، لأنه يعطل عملها ويشل نشاط المجلس النيابي.
على هدي تكليف رئيسها ومناورات تشكيلها، يبدو أن علينا انتظار ضغوط "خارجية" من أكثر من طرف، تُسفر عن بيان وزاري لايحظى برضى أي من الأطراف المشاركة في الحكومة، لكنه يسمح بانطلاقها في درب متعرج مزروع بالألغام والمنغصات، ولا يسمح لها باتخاذ أي قرارات تحتاجها البلاد للخروج من أزماتها المزمنة.
حكومة لبنان بغير بيان
[post-views]
نشر في: 4 مارس, 2014: 09:01 م