سعد أحمد
تشكو الصحافة ووسائل الإعلام من انعدام الشفافية، وتغييب المعلومات، وعرقلة تداول ما يدور وراء الكواليس. وطالما تتردد في مقالات الكتاب والأعمدة اليومية في الصحف العراقية مصطلحات مشتقة عن "الشفافية" والعمل خلف الكواليس، وتداول المعلومات والأسرار بين القيادات السياسية في البلاد، وزعماء الكتل والقوائم الانتخابية، على أساس أنها مظاهر تعكس فساد الحكم، والتضييق على الحريات، وحرمان السلطة الرابعة من حقها في الوصول الى المعلومة بانسيابية وما تتطلبه من صدقية، تنسجم مع المصالح الوطنية، وترضي الرأي العام.
ولأن الوضع المعاش بوجه عام هو كذلك، فان الصحافة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وكتاب الاعمدة "المعارضة" بشكل خاص، لا تفحص هذه الظاهرة، ولا تلاحظ التغيرات التي تعرضت لها، خلال دورتين انتخابيتين، وولايتين مترعتين بانقلاب في المشهد السياسي، وفي اعلى الهرم الحكومي.
ومن بين التغيرات التي قلبت المشهد، الشفافية التي باتت عليها عمليات غسيل الأموال في اطار الفساد المستشري، في الدولة العراقية الفاشلة، باقتدارٍ وافتخارٍ، ولا مبالاة من الشماتة والتهكم، والمقارنات المخلة، مع دول افريقية وآسيوية "اقل فساداً" مع ماهي عليه من فقرٍ وانعدام ثروات، وعدم امتلاكها امتدادا في التاريخ الحضاري، او رصيداً من التراثٍ الإنساني العريق.
ان تداول الرهانات على الصفقات والعقود والمقاولات والمناقصات الحكومية، بالصيغة "السرية" التي كانت تجري فيها سابقاً، لم يعد كذلك في عهد "الشفافية" الراهن. ان "فاسداً" أو "مرتشياً" لم يعد يأبه او يقلق من افتضاح أمره، الا اذا كان من فئة مليون دينار رشوة حتى بضعة ملايين، او منتمياً الى "ضعاف النفوس" من ذوي الدخل المحدود، الذين يقبلون برشوة صغيرة لقاء تمشية معاملة او انجاز توقيع. وغالباً ما ينتهي هؤلاء الى الملاحقة والسجن. لأن الواحد منهم اذ يفعل ذلك يُسيء لسمعة "حواسم فساد الدولة" ويبهذل "الصنعة المزدهرة"!
وسائل الاعلام هي الاخرى تلاحق هؤلاء المساكين، عاثري الحظ، المدفوعين، بضغط الحاجة الممضة الى تطبيب مريض، او دفع غائلة الجوع عن العائلة، او متطلبات دون تأمينها مشقة ما بعدها مشقة.
تابعت احوال الصحافة، ونحن نزحف نحو قدرنا في خوض انتخاباتٍ جديدة، لعلها تنشر تقارير وتحقيقات استقصائية، حول ما يجري التحضير له، في الخفاء أو في العلن، لفوز هذه القائمة الحكومية أو تلك، والحراك الجاري داخل القوائم، وفيما بينها، من تنقلاتٍ وتقديم عناصر على حساب أخرى، ونسبة النساء في الكتل "الطائفية" والتناسب بين السافرات والمحجبات، والاسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، والدوافع التي تحرك الكل لخوض مثل هذه المنافسة، لكنني لم احصد في هذا البحث سوى الخيبة.
ولا شك اني ألوم نفسي على مثل هذا البحث، لانه ينطلق من مقارنة غير عادلة بين صحافتنا التي تعكس واقع الحياة السياسية، وتدلل على تفسخها، والصحافة في مصر وبلدان عربية أخرى. المقارنة والمقاربة بينهما، بحد ذاتها نوع من فساد الرؤيا، وضعف الانتباه.
عدت ثانية لأتساءل، ترى اذا كانت الصحافة بهذا القدر من التماهي مع ما يجسده الواقع السياسي من تفككٍ، افليس ممكناً ان تفسر لنفسها قبل القارئ، ما تعنيه ظاهرة غير سرية، علنية بامتياز، يتابعها القاصي والداني، سوى وسائل الاعلام، تتعلق بانشاء صناديق مالية، تُجمع فيها تبرعات بالملايين من "الدولارات" لتمويل الحملات الدعائية لقائمة بعينها، في الانتخابات القادمة، ومن بين مهامها، شراء البطاقات الانتخابية، بالاضافة طبعاً، الى الاشكال الاخرى من الدعاية، في شتى وسائل الاعلام، في اللوحات الطرقية، والقنوات التلفزيونية والاذاعية؟!
لتبسيط الظاهرة، فإن الصندوق "حلالٌ وشرعيٌ" لا غبار عليه، لانه حصيلة "زكاة" الاموال التي لم تعد بحاجة الى غسيل، خصوصاً ومهمتها شرعية لانها تخدم هدفاً اسلامياً طائفياً، لردع الارهاب، وصد المؤامرات التي تستهدف العشيرة الاثيرة على قلوب رجال الاعمال والشركات العابرة للطوائف، عشيرة "ما ننطيها."
هل ستتابع الصحافة ووسائل الاعلام هذه الظاهرة العلنية، وهل ستتسابق لنشر اسماء الشركات ورجال الاعمال والمكلفين بجمع الزكاة لصندوق "شراء الذمم"..!؟
جميع التعليقات 1
@@@@
بالمناسبه كم وصلت سعر البطاقه الانتخابيه في البورصه المحليه!!؟؟