يقول الناس عادة ، وهم يحكمون على شيء أو شخص ما أو حدث غير مهم ولا مؤثر ، بأنه سيرمى في مزبلة التاريخ . لكن هل ينطبق ذلك على بعض الأعمال ( الفنية ) التي نراها ترمى هكذا بكل بساطة في مزابل المتاحف وقمامتها أيضاً . أقول ذلك وأنا أقرأ خبراً تناقلته الصحف العالمية حول عمل ( فني ) كان قد هيئ هذا الأسبوع للعرض في أحد المتاحف ، لكنه رمي في القمامة القريبة من المتحف عن طريق الخطأ ! هذا ما حدث مع الفنان دامين هيرست الذي كان قد قدّم أحد أعماله إلى متحف مدينة باري جنوب إيطاليا لعرضه ضمن أحد المعارض ، لكنه عند الافتتاح لم يعثر على عمله المرتقب ، وهنا بدت الحيرة على الجميع وهم يبحثون عن العمل المفقود ، إلى أن عرفوا في النهاية أن عاملة التنظيف قامت بوضع أجزاء العمل في كيس القمامة ورميه بعد ذلك في الحاوية القريبة من المتحف ، ظناً منها أنه عبارة عن أشياء لا قيمة لها من المخلفات . هل أخطأت عاملة التنظيف هنا ؟ خاصة أن هذا العمل كان يتكون من أشياء غريبة ، منها بعض قطع البسكويت والمعجنات . الطريف أن مدير شركة التنظيف التي تتبعها العاملة دافع عنها بشدة وقال ، إنها رأت بعض الأشياء وقطع البسكويت مرمية على الأرض ، فقامت برفعها وتنظيف المكان منها ، إذن هي قامت بعملها بشكل جيد . لقد حدث ذلك مع هذا الفنان رغم أنه معروف ، خاصة بما يسمى بالفن غير التقليدي ، وقدم أعمالاً نالت شهرة كبيرة مثل عمله ( لمحبة الرب ) الذي يمثل جمجمة مرصعة بـ 9000 ماسة حقيقية ، وقدّر ثمنه بـ 100 مليون دولار .
هذه ليست أول مرة يفهم فيها العمل الفني بشكل خاطئ ويساء تقديره ، ففي عام 1999 عرضت الفنانة البريطانية تريسي أيمين عملا لها بعنوان ( سريري ) وهنا إضافة إلى كون السرير هو سريرها الشخصي ، فهي قد نثرت فوقه وعلى جانبيه أشياء حقيقية تخصها مثل ملابسها الداخلية وكندوم وشراشف قديمة وغيرها . لكن حارس القاعة النشيط الذي استبدل دوريته تواً ، ظن أن بعض الزوار المشاغبين قد بعثروا محتويات العمل بهذا الشكل ، لهذا قام بجمع كل هذه الأشياء المتناثرة على أرضية القاعة وجمعها بشكل مرتب فوق السرير ، وبهذا حطم فكرة العمل أو القصد من عرضه . كذلك ما حدث سنة 2004 حين وضعت منظفة التيت غاليري في لندن عمل الفنان غوستاف ميسغر في كيس التنظيف ورمته في القمامة ، رغم اختياره ضمن معرض كبير ومهم جداً .
كيف لنا إذن أن نحكم على قطعة ما ، كونها عملا فنيا يمتلك المواصفات اللازمة لوضعه في قاعة عرض أو متحف ؟ وكيف نميز بين العبث الذي يقوم به البعض وبين الأعمال الأصيلة التي تحمل مواصفات العمل الفني النادر والناجح والحقيقي ؟ لقد كثرت المواد التي يستعملها الفنانون ولا يسعنا أن نطرد جميع منظفات المتاحف حتى لا يحدث خطأ في تقدير الفن ، خاصة وأن الاحتمالات قد اتسعت لاجتذاب ما هو غير متوقع وبعيداً عن المألوف ، ولوضع المتهافت والمبتذل أحياناً وسط قاعة عرض جادة ولها تاريخ رصين ! لا أشير هنا إلى الأعمال الفنية رديئة التنفيذ أو التي لا تمتلك مواصفات الأعمال الكبيرة الناجحة ، بل أقصد بالتحديد ، الأعمال ( الفنية ) التي تصنع من مواد مبتذلة أو غير فنية أو تشبه النفايات في قيمتها الحقيقية ، لكنها مع ذلك تتصدر القاعات والعروض وأروقة المتاحف .
بين العمل الفنّي والقمامة
[post-views]
نشر في: 7 مارس, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...