TOP

جريدة المدى > عام > إبراهيم العريس والأدب الروسي

إبراهيم العريس والأدب الروسي

نشر في: 9 مارس, 2014: 09:01 م

يوجد تعبير جميل في الغرب دخل إلى لغتنا وعالمنا العربي وهو – (أرفع قبعتي لك تحية واحتراما وإعجابا ), وهذا هو بالذات التعبير الذي أريد ان أستخدمه وأسجله في بداية حديثي عن الصحفي اللبناني الكبير الأستاذ إبراهيم العريس , الذي أتابع –بأعجاب -

يوجد تعبير جميل في الغرب دخل إلى لغتنا وعالمنا العربي وهو – (أرفع قبعتي لك تحية واحتراما وإعجابا ), وهذا هو بالذات التعبير الذي أريد ان أستخدمه وأسجله في بداية حديثي عن الصحفي اللبناني الكبير الأستاذ إبراهيم العريس , الذي أتابع –بأعجاب - منذ زمن ليس بالقصير مقالاته الثقافية المعمقة في الأدب العربي والعالمي, التي ينشرها في الصحافة العربية . هناك اختلافات وفروق بين البحث العلمي والمقالة , ولكن كتابات إبراهيم العريس تمزج بينهما إبداعيا بشكل يكاد يقترب من صيغة جديدة لدرجة أننا نستطيع –بسهولة - تطوير معظم مقالاته وتحويلها إلى بحوث علمية رصينة لأنها مكتوبة وفق خطة دقيقة ومحددة وواضحة المعالم , ولعل أبرز ما في هذه المقالات هي الروح المهنية الموضوعية التي تسود فيها , والنظرة العلمية الشاملة والمتكاملة والعميقة إلى الموضوع, إضافة إلى ان تلك المقالات لا تخضع للمواقف السياسية بشكل مباشر أو غير مباشر , ولا تتعامل معها بسذاجة كما نجد – مع الأسف – عند بعض نقادنا وباحثينا هنا وهناك.
رغم ان هذه المقالات تسير على حافات السياسة بعض الأحايين إلا أنها لا تسقط في مستنقعها ابدأ . هذه صفات وسمات عامة لكتاباته, ولكننا لا يمكن بالطبع ان نحلل أو حتى ان نتناول بشكل عام و في إطار هذه السطور مقالات إبراهيم العريس كافة , إذ أنها واسعة وشاملة بكل معنى الكلمة , ولهذا نود ان نسجل هنا فقط بعض الانطباعات الشخصية والملاحظات البسيطة بشأن المقالات حول الأدب الروسي ليس إلا , التزاما بعنوان مقالتنا أولا واختصاصنا العام والدقيق ثانيا , اذ ان إبراهيم العريس كتب مقالات عديدة ومتنوعة عن بوشكين وليرمنتوف وغوغول ودستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي وماياكوفسكي وشولوخوف وغيرهم , وتناول الظواهر الكبرى والأساسية في تاريخ الأدب الروسي ومسيرته المتشعبة , وتحدث عن الرواية والقصة والمسرحية والشعر الروسي , وبالتالي لا يمكن لهذه المقالة ان تتناول تلك الجوانب كافة بلا ادنى شك, وأتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا لكتابة سلسلة من المقالات , تتناول كل مقالة موقف العريس وعلاقته تجاه أديب روسي واحد من هؤلاء الذين مرّ ذكرهم أعلاه ومفاهيمه حوله, إذ عندها نستطيع التحدث بعمق ونحلل مواقفه وطروحاته كافة, ولهذا فإننا نكتفي الآن بملاحظات بسيطة وعامة حول بعض مقالاته ليس إلا .
أتوقف عند مقالته عن بوشكين التي جاءت بعنوان – (ابنة الضابط لبوشكين ..الإنسان وسط زحام التاريخ العاصف ) . عنوان جميل جدا لمقالة متميزة وغنية بملاحظاتها الدقيقة يشير فيها إبراهيم العريس إلى ان بوشكين هو ( المجتهد الأكبر في الأدب الروسي ), ويعطي ترجمة أخرى لرواية ابنة الضابط هكذا- ( ابنة النقيب في شكل اكثر حرفية ) , أي انه لم يكن مقتنعا بترجمة – ابنة الضابط رغم تثبيت هذه التسمية في عنوان مقالته تلك , وهذه هي صفة الباحث العلمي الحقيقية, الذي لا يقتنع بالشيء المنجز , الذي يجتهد بصورة دائمة ويحاول الوصول إلى الأفضل . نعم , أنا أتفق مع العريس في ان بعض عناوين الأدب الروسي لم تستقر بالعربية لحد الآن , وقد سبق لي ان نشرت مقالة حول هذا الموضوع في عدة مواقع بعنوان – ( ترجمة عناوين الأدب الروسي ), و رواية بوشكين – ( ابنة الضابط ) خير مثال على ذلك فقد جاءت بعدة أشكال , وترجمها المرحوم غائب طعمة فرمان بـ – ( ابنة الآمر ) ضمن الإصدارات العربية للأدب الروسي في الاتحاد السوفيتي آنذاك , ويعطينا العريس في مقالته هذه ترجمة جديدة وهي – (ابنة النقيب ), وتستحق هذه الترجمة مكانها اللائق بها ضمن الاجتهادات الأخرى بلا ادنى شك , إذ ان بوشكين استخدم كلمة ( كابتن ) في النص الروسي , وتترجم بعض بلداننا العربية هذه الرتبة العسكرية بكلمة – ( نقيب ) فعلا , رغم ان هذه الكلمة ترتبط بعدة معانٍ أخرى في لغتنا العربية المعاصرة, وفي كل الأحوال يستحق هذا الاجتهاد الجديد لعنوان رواية بوشكين التأمل والمناقشة . وأود ان أستمر بالحديث عن هذه المسألة المطروحة أمام المترجمين العرب وكيف تعامل معها العريس وأتوقف عند مقالة أخرى له بعنوان – (معطف غوغول الذي خرج منه دستويفسكي والأدب الروسي كله ), إذ كتب العريس عنوانين لنتاجين من نتاجات غوغول , ليست دقيقة من وجهة نظرنا , العنوان الأول هو – ( ملاحظات مجنون ) و نحن نعتقد ان الأصح هو – ( يوميات مجنون ) أو ( مذكرات مجنون ) , وقد استقرت هذه التسمية بالعربية منذ فترة طويلة نسبيا, أما العنوان الثاني فقد أبقاه العريس كما جاء بالنص الروسي عند غوغول وهو- ( نفسكي بروسبيكت ) , وهو عنوان غير مفهوم للقارئ العربي بتاتا , وقد تمت ترجمة هذا العنوان إلى العربية هكذا – ( شارع أو جادة نيفسكي ) , وهو الأصح على ما نظن, ولم أستطع ان أفهم لماذا استخدم إبراهيم العريس هذه التسمية هنا وهو الذي يتعامل مع الأدب الروسي ليس عبر اللغة الروسية وإنما عبر لغة وسيطة, ولم أستطع أيضا ان أجد تبريرا لذلك . و نترك الآن موضوعة العناوين و نتوقف قليلا عند مقالة أخرى له بعنوان ساحر وجميل فعلا وهو – ( بلاتونوف لتشيكوف – حين تخون ستبقى خائنا إلى الأبد ) , حيث يتناول فيها أول مسرحية كتبها تشيخوف وتاريخها الطريف , ويعرض مضمونها العام بشكل مشوٌق و موضوعي وعميق , ويتوقف عند أفكارها الفلسفية, وهي مقالة رائعة بكل معنى الكلمة , وقد طالعتها باندهاش وإعجاب وشغف لدرجة اضطرتني ان أغمض عيني عن كتابته لاسم المؤلف المسرحي على الطريقة الأنكلو – أمريكية لعدم وجود حرف الخاء لديهم , أي تشيكوف ( بالكاف ) كما يلفظونه ويكتبونه هم , وليس تشيخوف ( بالخاء ) , كما يلفظه ويكتبه الروس , وكما نلفظه ونكتبه نحن العرب منذ زمن بعيد . وكان بودي ان أتوقف هنا أيضا عند مقالتين و أتحدث قليلا عنهما, الأولى عن مكسيم غوركي التي جاءت بعنوان – ( جامعاتي لغوركي – كيف انتحر وهذا الإبداع يملأ العالم ؟ ) , اذ أنها مقالة مهمة تتناول موضوعا حيويا للقارئ العربي وهو العلاقة المتبادلة بين الأدباء والحكام , إلا ان المجال لا يسمح بالكلام حتى بإيجاز عن هذه النقطة الكبيرة و الحساسة , والثانية عن تولستوي بعنوان – ( الحرب والسلم – حب الحياة وسط دوامة الموت والخراب ) , وتتناول فلسفة هذا الكاتب الروسي العملاق , إلا ان المجال أيضا لا يسمح حتى بعرض موجز لملامح تلك الفلسفة.
أكرر مرة أخرى في ختام هذه السطور احترامي وتقديري لهذا الباحث الكبير وجهوده العلمية الموضوعية في خدمة القارئ العربي وتنويره بكل هذه الجوانب المجهولة للأدب العالمي بشكل عام والأدب الروسي بشكل خاص . ما أحوج أمتنا العربية إلى مثل هذه النماذج الثقافية المضيئة في هذه الفترة المعتمة من تاريخنا ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. خالد السلطاني

    شكرا عزيزي د. ضياء على هذه المقالة اللامعة، والخاصة بكتابات ابراهيم العريس. ما قلته عنه صحيح تماما، لكني اود ان اضيف بان لغته المميزة والمتدفقة والجميلة، هي ايضا تضفي على جهده المعرفي كثيرا من الاناقة والجمال. شكرا ايها العزيز، لانك كنت سباق في رد الجمي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

رواية "لتمت يا حبيبي".. إثارة مشاعر القارئ وخلخلة مزاجه

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram