TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هن اللواتي..

هن اللواتي..

نشر في: 9 مارس, 2014: 09:01 م

يزورني طيفها طواعية كلما داهمتني حمى او صرعتني خيبة او الم بي وجع عين .
يدها حانية رحيمة ، ملمس الحرير كفها الخشن ، تمسد موضع الألم وتتمتم :باسم الله المشافي ، باسم الله المعافي .. ليتبدد الألم .. ويحل الشفاء … من علمها سر التفكير الإيجابي .. والإيحاء النفسي ، قبل شيوع العلم بستين سنة؟
استحضر خيالها، واستعيد نجواها ، وصوتها الرخيم يحدونا ويغمرنا بثقة من يقبض على الجمر دون ان يحترق ، ويمشي على الماء دون ان يبتل او يغرق.
كانت حين ترتل القرآن — وقد حفظته آية آية — يتخضل صوتها بالخشوع ، فتنتقل الرعشة القدسية لكل من يستمع..
واحهت أعباء الحياة مبكرا : رحل — بمرض الخناق — ابنها البكر ذو السنوات الخمس ، تبعته أخته الصغيرة لإصابتها بالحصبة ، ولحقت بها الصغرى بعد شهرين ، أية قوة خارقة منعتها من الجنون او الكفر او التنديد بوحشة القدر .
رحلت وظلت وصاياها دليلي: حذار من الثرثرة ، والجدل العقيم ، فالفم المطبق لا يدخله التراب، لماذا منحنا أذنين اثنتين ولسانا واحدا ؟ لكي نصغي ضعف ما نتكلم .
عنفتني برفق ، يوم جئتها وانا صبية ، راعفة بالاسئلة ، اشهر بوجهها كفي الناحلة ، وافرد سبابتي — ألا قولي لي : هل نحن كذا ام هكذا؟ ( السبابة مستقيمة أم معوجة ) والقصد: انحن شيعة ام سُنَّة؟ قولي لمن تسالك غدا : انا لست اصبعا! قولي لها انني مسلمة .. لا ، لا… قولي لها انني إنسانة .. وكفى . لذا بررت لها ضعفها الإنساني ونشيجها المكتوم وهي تودع صديقتها اليهودية والأسرة تزمع الرحيل عن ارض العراق :كرجية .. يا شقيقتي التي لم تلدها أمي … روحي يحرسك الرب وترافق اهلك السلامة . لا انسى مشاركتها جارتنا الصابئية طقوسها وأباريق الماء وشموع النذر ، لا انسى تطريزا بالنمنم والكلبدون لثوب التعميد لبنت جارتنا المسيحية .
للحكايا على لسانها ، مذاق الرطب وضوع زهر القداح : أقاصيص شهرزاد في الف ليلة ، سيرة عنترة ، أبو زيد الهلالي ، حكم نهج البلاغة ، الرشيد والبرامكة ، الأمين والمأمون .جرمط والسعلوة ..و..و ..
— من أين كل هذا الخزين المعرفي ؟ من رفوف مكتبة مهملة في ركن من سرداب معتم شبه مهجور .
— كيف توفرت فرص القراءة ليافعة مثقلة بأعباء؟ ولم تكن المصابيح الكهربائية قد شاع استعمالها آنذاك؟
— في فسحة من السطح العالي ، انتظر ان يصير الهلال بدرا.. قرأت تلك الأسفار تحت ضوء القمر!
كان رب البيت — أبي —يناديها يا أم غازي، لم اسمعه يناديها باسمها الحاسر ، كأنما كان يكرمها بوصفها أماً.
كان اسمها في الأوراق الثبوتية : نظيمة، العائلة تسميها ( نزيمة ) بتفخيم حرف الزاء. وكانت تتوهج فرحا إن دللها ولدها وناغاها: ماماتي .
أمي لا تشبهها امرأة، أمي ليست ككل الأمهات ….
هراء ، وجهل وقصر نظر . بل كل الأمهات يشبهن أمي .. كل الأمهات .
فإليهن — حاضرات — جمعا وفردا ، السلام
وعليهن —راحلات — جمعا وفردا شآبيب الرحمة . ومثواهن جنات الخلود .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram