TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > وثائق

وثائق

نشر في: 28 سبتمبر, 2009: 06:16 م

rnضمن سلسلة المقالات التي كتبها السير انطوني ناتنغ السياسي البريطاني المعروف، عن الزعماء العرب الذين عرفهم، وهنا نص مقالته عن عبدالكريم قاسم الذي حكم العراق فترة اتسمت بالكثير من العنف والدموية. اغرب الزعماء العرب قاطبة ممن قابلتهم خلال تجوالي في ربوع الشرق الاوسط كان عبدالكريم قاسم، هذا الر جل، الذي وصفه احد مراسلي (الاوبزرفر) ذات مرة بأنه (لغز بشري معقد بصورة مرضية تقريبا)، كانت فترة زعامته للعراق منذ الثورة سنة 1958 وحتى سقوطه وموته سنة 1963 عبارة عن خط متعرج من المتناقضات والتحولات المفاجئة الى اليسار والى اليمين مما كان يربك اصدقاءه واعداءه على حد سواء، اليوم نصير لعبدالناصر وغدا خصم عنيف له، rn
rnمرة هو- بعدما عادى عبدالناصر- صديق للشيوعيين واخرى، بعد سنة من ذلك، الد اعدائهم، وظل بالنسبة لاخوته ا?مخلصين في السلاح الذين كانوا اقرب رفاقه في الجيش لغزا كاملا، اذ قاوم جميع محاولاتهم لحمله على اتباع خط سياسي ثابت.rnrnكان قاسم شخصية فردية، وعلى عكس جميع الزعماء العرب الذين التقيتهم كان عاجزا عن جعل زائره يشعر بالاطمئنان وعن تهدئة نفسه ايضا كان يمتلك العينين، اللتين يتميز بهما ثوري من الطراز الكلاسيكي وانحناءة الجسد المشدودة لناسك درب نفسه تدريبا قاسيا لخوض امتحان ما، ربما لانه كان يعمل ست عشرة ساعة يوميا على الاقل – اجتماعات مجلس الوزراء كانت غالبا ما تجري في الساعة الثانية بعد منتصف الليل- فقد كان يبدو انه تحت تأثير ارهاق مستمر، وكان هذا الانطباع تعززه كثيرا نبرة صوته المرتفعة بشكل مثير للفضول وحركة عصبية في صدغه، في ا?مقابلات الصحافية معه كان يمكنه ان يجيب عن الاسئلة بسلسلة من الخطب التي غالبا ماكان لها ارتباط ضئيل بالاسئلة نفسها.rnمع ذلك، فعلى الرغم من هذا الجو غير الواقعي، بل الآلي وكأنه ساعة معبأة، فانه لم يكن يخلو من جاذبية غامضة، وفي الواقع، فانه عندما دخل دورة للضباط المتقدمين في انكلترا سنة 1950، اطلق عليه زملاؤه لقب (الحية الجذابة) بسبب ما كان يتمتع به من قوة خارقة في اقناع زملائه بارائه، ومن اشد سخريات القدر ان قاسم كان قبل الثورة، مقربا بصورة خاصة من قبل نوري السعيد الذي خلعه، وايضا الفريق الركن غازي الداغستاني رئيس اركان النظام السابق الذي حكم عليه بالموت (وعفا عنه فيما بعد) بتهمة الخيانة العظمى وقد بلغ من اعجابهما وثقتهما?به، انهما سمحا للواء الذي كان تحت امرته بأن يكون في ذلك اليوم المصيري من نهاية احد اسابيع شهر تموز (يوليو) 1958، الوحدة العسكرية الوحيدة داخل العاصمة، وهو الخطأ المميت الذي استغله قاسم، فاحتل مبنى الاذاعة واعلن ان الثورة قد انتصرت، بينما هي لم تكن قد بدأت بعد.rnالشيء نفسه حدث بالنسبة لصداقة قاسم مع ناصر، التي كانت سياسية اكثر من كونها شخصية، فبينما كانت وثيقة في المراحل الاولى تحولت بعد اشهر قليلة فقط الى عداوة اشد مرارة من تلك التي كانت تفصل بين جمال عبدالناصر ونوري في فترة حلف بغداد، وانني اتذكر جيدا كيف ان قاسم اخبرني بعد بضعة ايام من قيام الثورة بان التعاون مع مصر سيكون منذ الان وثيقا فعلا كان اثنان من اقرب معاونيه مواليين لناصر بقوة احدهما صديق شنشل وزير الارشاد والاخر عبدالسلام عارف الذي كان تلميذا سابقا لقاسم في كلية الاركان واقرب حليف له منذ ذلك الحين وبت?ييد حماسي من قاسم نفسه، قام عارف بمقابلة ناصر في دمشق في اليوم الثاني للثورة، وردا على انزال البحرية الاميركية في لبنان والقوات البريطانية في الاردن وهما اجراءان رأي فيهما الزعيمان (المصري والعراقي) جزءا من خطة حربية ترمي الى سحق الجمهورية العراقية الفتية، وقع ناصر وعارف معاهدة للصداقة والتعاون المتبادل بين البلدين، بل ان عارف تحدث عن احتمال انضمام العراق الى الوحدة بين مصر وسوريا، وهي فكرة وافق عليها قاسم نفسه خلال حديثه معي..rnمع ذلك، وفي شهر شباط (فبراير) التالي (ادين) عارف بتهمة التآمر مع ناصر ضد قاسم، ووضع في زنزانة اعدام مجاورة لزنزانتي فاضل الجمالي، وزير خارجية نوري السعيد والفريق الركن غازي الداغستاني، اللذين كانت جريمتهما هي العداء للناصرية، وقد تم اقصاء ستة وزراء من حكومة الثورة، ومنهم صديق شنشل، قرر عبدالحميد السراج، رجل عبد الناصر في سوريا، بأن الوقت قد حان لضرب قاسم وقد تم الاتصال بضابط عراقي كبير في الموصل هو العقيد عبدالوهاب الشواف الذي كان مستعدا للمغامرة بكل شيء في انقلاب عسكري واخترق عملاء سوريون الصحراء ودير الز?ر مع التجهيزات اللازمة وخصوصا محطة اذاعية كان انصار الشواف يحتاجونها اكثر من احتياجهم الى السلاح وجرت كذلك اتصالات اخرى مع ضباط قوميين في بغداد واقرت خطة لتنفيذ ضربة ضد النظام، حيث يستولي فيه الشواف على منطقة الموصل في الشمال في الوقت نفسه يستولي المتواطئون معه في بغداد على مبنى وزارة الدفاع ويقتلون قاسم نفسه.rnوبلغ من درجة ثقة السراج والشواف بنجاح الانقلاب انهما لم يتخذا الا جراءت بسيطة لطمس الاثار والتمويه على نياتهما ولم تزل العلامات السورية عن المعدات الاذاعية، بل ان بعض عملاء السراج لم يكلفوا انفسهم حتى بتغيير البذلة العسكرية السورية الرسمية. وروعي ان تصل اشاعات التمرد الى العاصمة عن قصد، واصبحت ساعة الصفر للانقلاب همسة علنية في الاوساط الديبلوماسية وعندما رد قاسم على ذلك بارسال قوة كبيرة من مؤيديه الى الموصل لتنظيم التظاهرات المؤيدة لنظامه ادرك الشواف ان ضربة مضادة ضده على وشك الوقوع ومن دون اي تنسيق مع شرك?ئه في بغداد أمر الشواف قواته بتوجيه ضربتها فتم اعتقال القادة المحليين

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram