كلما حل آذار ، لا ادري لماذا تحضر ذهني مباشرة اول زيارة لي الى بغداد قبل سقوط النظام السابق نهائيا ..في ذلك الوقت، غادرت بيتي المغروس في احد اطراف العاصمة لأزور بغداد..كم اشتقت الى بغداد في تلك اللحظة وكان يمكن ان ازورها واطمئن عليها حتى لو كلفني ذلك الكثير ..لم تكن بغداد التي اعرفها ، كانت آثار القصف تشوه جسدها وغبار العواصف الرملية يلون سحنتها بشحوب مفزع ..وكانت اللافتات السود كثيرة لدرجة اني لم اجد الوقت لالتقاط أسماء كل لافتة صادفتني فقد حملت بعضها عدة أسماء لأفراد عائلة واحدة ..مررت بأعز صديقاتي لأطمئن عليها ..كنت اعلم انها تلتهم ايام شهرها الأخير من الحمل بسرعة لتكمل مهمتها بنجاح وتنجب الطفل الذي انتظرته طويلا مع زوجها ..
قبل ان اصل الى بيتها التقيت شقيقها في الشارع وسألته عنها بلهفة ..لاحظت انه اطرق طويلا قبل ان يقول لي انها أنجبت طفلا ذكرا ..توجهت الى منزلها وقد زار قلبي شيء من الفرح وقبل ان ابحث بعيني عن باب دارها دلتني عليه لافتة سوداء كتب عليها اسم زوجها ..
احتارت قدمي بين دخول الدار والفرار من بغداد الى مكان آخر يمكنني ان اغمض عيني فيه وأتخيل عالما سعيدا لا يوقظني منه انفجار صاروخ او اطلاق رصاص او صراخ امرأة ..واليوم وبعد مرور احد عشر عاما على تلك الذكرى المؤلمة ما زلت ابحث عن ذلك المكان ..وسأظل ابحث عنه ..
في برنامج ( افتح يا سمسم ) الذي رافق أيام صبانا ، وردت في احدى الفقرات تساؤلات طفولية تحمل الشيء الكثير من الخيال مثل "ماذا لو كانت العجلات مربعة ؟" وجاء الجواب " سينكسر كل البيض الذي تحمله عربة البائع في الطريق الى السوق "، وتساؤل آخر مثل " ماذا لو كانت الأبقار تطير ؟"وكان الجواب عليه " لما تمكنا من الحصول على حليبها " ...تلك التساؤلات وجدت لها أجوبة شافية وتربوية أعادت الأطفال الى جادة الواقع ومنحتهم جواز المرور الى المعرفة والوضوح ...بعدها ،لم يعد الأطفال يحصلون على إجابات مقنعة لأسئلتهم منذ ان صار الطفل يرى والديه يلعنان رئيس الدولة سرا ويصفقان له علنا ...ولم ترتبط تلك الأسئلة بمرحلة الطفولة والصبا بل صارت للأسف قدر العراقيين الجديد ..جميعنا الآن بحاجة الى اجوبة تقودنا الى بر الوضوح خاصة اذا كانت تبدأ بعبارة " ماذا لو " التي تحمل شيئا من الخيال والتمني ،فماذا لو سعى المالكي الى حل أزمة الأنبار بشكل حاسم وصادق ، وماذا لو لم يلجأ الى عملية التنظيف الدقيق ابتداء من إزالة الدعايات الانتخابية للمرشحين للانتخابات من الشوارع وحتى إزالة المرشحين انفسهم من الطريق وفق قانون الاجتثاث الذي يستخدم كوسيلة للتصفية لا كقانون معترف به ..ماذا وماذا وماذا .. أسئلة كثيرة تخص مصيرنا وحياتنا ومستقبلنا ولا نجد لها أجوبة شافية ومقنعة ..
وتمر السنوات ، ونعتاد تدريجيا على الدمار والانفجارات وفقدان الأشخاص والأشياء ..وهنا تكمن الخطورة ، فلم نعد نتوقف لنسأل لماذا او ماذا لو لأننا يأسنا من تغيير أي شيء وكل شيء ولم يعد أمامنا الا ان نتفقد أعضاءنا صباح كل يوم ونفرح لأننا لم نفقد شيئا حتى الآن ومازلنا أحياء ...بالنسبة لي ، ما زلت ابحث عن مكان اغمض عيني فيه واصحو على عراق جديد ...لكني اخشى ان أنام فأصحو ثانية على أصوات الانفجارات وأكاذيب القنوات وحماقات الساسة.
ماذا لو ؟....
[post-views]
نشر في: 10 مارس, 2014: 09:01 م