TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا لو ؟....

ماذا لو ؟....

نشر في: 10 مارس, 2014: 09:01 م

كلما حل آذار ، لا ادري لماذا تحضر ذهني مباشرة اول زيارة لي الى بغداد قبل سقوط النظام السابق نهائيا ..في ذلك الوقت، غادرت بيتي المغروس في احد اطراف العاصمة لأزور بغداد..كم اشتقت الى بغداد في تلك اللحظة وكان يمكن ان ازورها واطمئن عليها حتى لو كلفني ذلك الكثير ..لم تكن بغداد التي اعرفها ، كانت آثار القصف تشوه جسدها وغبار العواصف الرملية يلون سحنتها بشحوب مفزع ..وكانت اللافتات السود كثيرة لدرجة اني لم اجد الوقت لالتقاط أسماء كل لافتة صادفتني فقد حملت بعضها عدة أسماء لأفراد عائلة واحدة ..مررت بأعز صديقاتي لأطمئن عليها ..كنت اعلم انها تلتهم ايام شهرها الأخير من الحمل بسرعة لتكمل مهمتها بنجاح وتنجب الطفل الذي انتظرته طويلا مع زوجها ..
قبل ان اصل الى بيتها التقيت شقيقها في الشارع وسألته عنها بلهفة ..لاحظت انه اطرق طويلا قبل ان يقول لي انها أنجبت طفلا ذكرا ..توجهت الى منزلها وقد زار قلبي شيء من الفرح وقبل ان ابحث بعيني عن باب دارها دلتني عليه لافتة سوداء كتب عليها اسم زوجها ..
احتارت قدمي بين دخول الدار والفرار من بغداد الى مكان آخر يمكنني ان اغمض عيني فيه وأتخيل عالما سعيدا لا يوقظني منه انفجار صاروخ او اطلاق رصاص او صراخ امرأة ..واليوم وبعد مرور احد عشر عاما على تلك الذكرى المؤلمة ما زلت ابحث عن ذلك المكان ..وسأظل ابحث عنه ..
في برنامج ( افتح يا سمسم ) الذي رافق أيام صبانا ، وردت في احدى الفقرات تساؤلات طفولية تحمل الشيء الكثير من الخيال مثل "ماذا لو كانت العجلات مربعة ؟" وجاء الجواب " سينكسر كل البيض الذي تحمله عربة البائع في الطريق الى السوق "، وتساؤل آخر مثل " ماذا لو كانت الأبقار تطير ؟"وكان الجواب عليه " لما تمكنا من الحصول على حليبها " ...تلك التساؤلات وجدت لها أجوبة شافية وتربوية أعادت الأطفال الى جادة الواقع ومنحتهم جواز المرور الى المعرفة والوضوح ...بعدها ،لم يعد الأطفال يحصلون على إجابات مقنعة لأسئلتهم منذ ان صار الطفل يرى والديه يلعنان رئيس الدولة سرا ويصفقان له علنا ...ولم ترتبط تلك الأسئلة بمرحلة الطفولة والصبا بل صارت للأسف قدر العراقيين الجديد ..جميعنا الآن بحاجة الى اجوبة  تقودنا الى بر الوضوح خاصة اذا كانت تبدأ بعبارة " ماذا لو " التي تحمل شيئا من الخيال والتمني ،فماذا لو سعى المالكي الى حل أزمة الأنبار بشكل حاسم وصادق ، وماذا لو لم يلجأ الى عملية التنظيف الدقيق ابتداء من إزالة الدعايات الانتخابية للمرشحين للانتخابات من الشوارع وحتى إزالة المرشحين انفسهم من الطريق وفق قانون الاجتثاث الذي يستخدم كوسيلة للتصفية لا كقانون معترف به ..ماذا وماذا وماذا .. أسئلة كثيرة تخص مصيرنا وحياتنا ومستقبلنا ولا نجد لها أجوبة شافية ومقنعة ..
وتمر السنوات ، ونعتاد تدريجيا على الدمار والانفجارات وفقدان الأشخاص والأشياء ..وهنا تكمن الخطورة ، فلم نعد نتوقف لنسأل لماذا او ماذا لو لأننا يأسنا من تغيير أي شيء وكل شيء ولم يعد أمامنا الا ان نتفقد أعضاءنا صباح كل يوم ونفرح لأننا لم نفقد شيئا حتى الآن ومازلنا أحياء ...بالنسبة لي ، ما زلت ابحث عن مكان اغمض عيني فيه واصحو على عراق جديد ...لكني اخشى ان أنام فأصحو ثانية على أصوات الانفجارات وأكاذيب القنوات وحماقات الساسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram