TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معلولا وراهباتها

معلولا وراهباتها

نشر في: 11 مارس, 2014: 09:01 م

قبل أي حديث عن صفقة الإفراج عن راهبات معلولا، فإن من الواجب التقدم لهن بالاعتذار، باسم الكرامة الإنسانية التي جرى هدرها، والمتاجرة بها بصفاقة وخبث، بعد احتجاز دام لشهور في الكهوف المستنسخة من تورا بورا، بكل ما فيها من ظلامية وجهل وتخلف، يتغنى بها جهلة لايفهمون من الإسلام غير حق الفتح والتمكين، ما يوجب تذكيرهم بأنه لولا المسيحية العربية المشرقية، التي انتفضت على الرومان ورحبت بالمسلمين، لما كان الإسلام انتشر في بلاد الشام وغيرها بالصورة التي تجلت في العهدة العمرية، حين دخل ابن الخطاب القدس يتوكأ على عصاه، ففتحت له أبواب كنائسها، باسم سلام البشرية المرفوض اليوم من الدواعش والنصرة، ومن يدعمهم ويشد على أيديهم ويؤازرهم ويمولهم، من السلفيين والإخوان وتجار الحروب، والباحثين عن أدوار تفوق أحجامهم أيضاً.
زعم أنصار الأسد أن التطورات الميدانية في منطقة القلمون، وقرب دخول قواته إلى يبرود، فرضت على جبهة النصرة حل قضية راهبات معلولا المخطوفات، وبحيث تنازل الخاطفون عن سقف مطالبهم المرتفع، وبدأوا بخفضها بعد فُقدان ورقتهن قوتها التفاوضية، ولم تعد قابلة للمساومة بأسعار مرتفعة، وهنا برز الدور القطري المُعتاد على الرشوة، لتحقيق مكاسب سياسية ودعائية، وتم الاتصال بين شخصيات أمنية من قطر ولبنان، للسير في الصفقة التي وصلت نهايتها، مُعلنة أن المشيخة الباذخة الثراء والطموحات تتقدم بورقة لأعدائها القدامى، تعلن فيها مغادرتها كلياً للضفة الأخرى، ورغبتها في دور وساطة يحفظ توازنها، بعد تحجيم أدوارها المأمولة.
بالطبع حاول طرفا الصراع استغلال الموقف، إذ جرى الحديث عن فدية مالية باهظة،دفعتها قطر "عن طيب خاطر"، للتدليل على أن جبهة النصرة مجرد بندقية للايجار، وهي ربما تكون كذلك، لكن اللحظة لاتحتمل هذه المهاترة، وحينما كانت أجهزة النظام تتحدث عن محنة الراهبات، كن يقمن بشكر خاطفيهن على حسن المعاملة، ويؤكدن تنازلهن عن حمل الصلبان طواعية، لعدم مناسبة الموقع والظرف لذلك، وكان تصرف طرفي الصراع بشعا، يدل على الاستهانة بإنسانية الإنسان أولا، وبرسالة السلام والمحبة التي نذرت الراهبات حياتهن لها، وأقذر ما كان هو رفض بعض المتطرفين لمبادلة رسولات المحبة بـسوريات من طوائف أخرى، باعتبار أن معتقلي الجيش أولى بالمبادلة، تلك واحدة من الإفرازات النتنة للطائفية والحقد والتعصب، وهي الابن الشرعي للمعارك المحتدمة منذ ثلاث سنوات على أرض الشام.
المهم أن الدوحة سعت لتقديم خدمة ناجزة لنظام الأسد، لكن المعطيات أخذتنا الى حقيقة أن دمشق أثبتت استغلالها لأية حادثة، لشيطنة الثورة بقضها وقضيضها، غير أنه في هذه المرة "لم تأت العتمة على قدر يد اللص"، تم الافراج عن سوريات مسلمات مقابل سوريات مسيحيات، ما يؤكد اعتماد النظام لنظرية التعاطي مع الأقليات كدروع بشرية، والتعامل مع المواطنين بحسب ديانتهم ، نازعاً عن الراهبات "كمثال" صفة المواطنة، بالتعامل مع قضيتهن على أنها تخص مسيحيات فقط، وليس سوريات مسيحيات مُكرساً بذلك جهنمية التعاطي مع السوريين كطوائف متنازعة، لاتجمعها مصلحة وطنية، بقدر ما يفرقها التناحر حد الاستئصال والنفي .
جاء المشهد الاخير ليؤكد خطيئة جبهة النصرة في اختطاف الراهبات، وقد أدرن لهم الخد الأيمن بعد تلقيهن الصفعة على الأيسر، تعبيراً عن التسامح المفقود عند الإسلامويين، وليكشف خطيئة النظام باعتماده سياسات طائفية، سيدفع السوريون ثمنها لاحقاً، وليؤكد أن التقرب من الخالق باعتباره محبة وبهاءً أقوى من الجميع، وسلام على راهبات معلولا حين اختطفن، وحين يعدن إلى ديرهن لمواصلة صلواتهن، مبشرات بالسلام لكل السوريين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram