TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معابر خالية من الاحتلال

معابر خالية من الاحتلال

نشر في: 12 مارس, 2014: 09:01 م

أخطأت الرصاصة الأولى هدفها، كرر الجندي الإسرائيلي جريمته، أطلق النار، ولكن هذه المرة مباشرةً نحو صدر القاضي الأردني من أصل فلسطيني رائد زعيتر، اخترقت الرصاصة جسده، ليرتد إلى الخلف خطوة ثم أخرى، عندما أصابته الرصاصة الثانية، تبعتها ثالثة استقرت في صدره، وألقت بجسده على الأرض مُغمىً عليه لا يُحرّك ساكناً، لكن دمه الطاهر ظل يسيل ليروي تراب الأرض الطاهرة، وليرتقِ بعدها شهيداً، الصدفة كانت حاضرة على مرمى ذكرى معركة الكرامة، التي وقعت في مثل هذا الشهر عام  1968 بين الجيش الإسرائيلي، وثوار حركة فتح والجيش الأردني في نفس المنطقة.
تلك هي الصورة التي تلقّاها المواطنون الأردنيون، لتستثير فيهم حالة من الغليان، انتشرت في كل زاوية من زوايا الوطن، لكنها أخطأت طريقها إلى الحكومة، بعد أن تخبط إعلامها في وصف الحادثة، التي استهدفت قاضياً في محكمة أردنية، واكتفى رئيس الوزراء بالإعلان أن إسرائيل قدمت اعتذاراً رسمياً عن الحادثة، نتيجة إصرار حكومته على ذلك، وهي كانت أكدت أنها بانتظار نتائج التحقيق الإسرائيلي، لتتخذ الإجراء المناسب، مجلس النواب تنمّر فتجاوز الحكومة، معلناً شجبه واستنكاره للحادثة، وطالب بعض الأعضاء بطرد السفير الإسرائيلي، وتجميد العمل بمعاهدة السلام.  
 جيش الاحتلال الإسرائيلي تمسك برواية الجندي القاتل المتهافتة، التي تزعم أن الشهيد هاجم الجندي وحاول خطف سلاحه، وهي إذ تصف الشهيد القاضي بالإرهابي، تروي أنه اندفع نحو الجنود وهو يصيح (الله أكبر)، وبيده قضيب معدني، وحاول الاستيلاء على سلاح الجندي، ما دفع الجنود للرد بإطلاق النار باتجاه الجزء السفلي من الجسد، تماشياً مع الإجراءات المعمول بها، ثم بدأ المشتبه به بخنق جندي، ولجأت القوة إلى استخدام الذخيرة الحية مرة أخرى، وهي رواية واهية، تصلح مشهداً في فيلم سيئ الصنعة، ولم تؤكدها أية جهة أخرى، حتى على صعيد شهود العيان، الذين كانوا متواجدين في المعبر حينها.
   يطالب الأردنيون بالرد الحاسم، يظنون أن لدولتهم مخالب وأنياب، ولا يجب أن تترك رعاياها أسرى للقتل الحاقد والبطش الأعمى، ويؤكد كثير منهم أن رد الفعل الحكومي الباهت، لا يتناسب مع حجم الوجع الشعبي، فالشهيد خادم للحق على منصة القضاء، وليس عضواً في تنظيم القاعدة، وعملية اغتياله البشعة حلقة من مسلسل صهيوني متصل، ولا يمكن التعاطي معها كحدث عابر، وهي حتى عند رافضي معاهدة السلام انتهاك سافر لها، والمستوى الرسمي مطالب بالارتقاء إلى مستوى الغضب الشعبي، ليُعبّر عنه بأمانة وشرف ومسؤولية، فالرجل غادر إلى أرض آبائه مستعجلاً، للتزود ببعض المال اللازم لإنقاذ حياة ابنه، ولم يكن يفكر بعملية انتحارية، وهو واقع تحت ضغوط نفسية شديدة الوطأة.
تطرح مأساة اغتيال زعيتر، مسألةً ظل مسكوتاً عنها منذ توقيع اتفاق أوسلو، وهي تواجد جيش الاحتلال على المعابر الحدودية بين الأردن وفلسطين، ويبدو أنه حان وقت حسمها والتمسك بذلك، ذلك أن أي مفاوضات أو حلول، لا تنهي هذا الوضع المختل، تعني استمرار العذاب والإهانة وأخيراً القتل، خصوصاً إن علمنا أنه حتى الرئيس الفلسطيني، يحتاج لتصريح كلما غادر أو عاد إلى وطنه، والخضوع لإجراءات مُهينة، فعن أي سلام يتحدثون؟، وعن أي مفاوضات لا تبدأ بفرض السيادة الفلسطينية على المعابر، وبما يسمح بتواصل الفلسطينيين الممنوع اليوم، حتى على سكان المناطق الخاضعة للسلطة، حيث يُمنع الغزاوي من الإقامة في الضفة، التي يُمنع ابنها من زيارة القطاع دون أخذ الإذن، وماذا تعني كل جولات كيري المكوكية، إن لم تكن طرحت هذه المسألة إلى اليوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram