TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مؤتمر نقص الحكمة

مؤتمر نقص الحكمة

نشر في: 12 مارس, 2014: 09:01 م

ان مكافحة الارهاب شيء، واستغلال مناخ الارهاب للتشبث بسلطة بدائية وسياسات رثة شيء آخر. وسيسجل التاريخ اننا اكثر امة تعرضت للذبح على يد الجهاديين مطلع الألفية الثالثة، لكنه سيسجل ايضا ان قيادتنا ظلت اكثر قيادة تصم اذنيها فلا هي تسمع النصائح، ولا هي تطور خبرة ذاتية، فتقف عاجزة امام مشهد الذبح.
سألت عضو لجنة الامن والدفاع، النائب شوان طه: كيف تتلقى هذا المؤتمر الذي ينظمه المالكي لمكافحة الارهاب؟ فسجل ملاحظتين: الاولى ان دولاً كثيرة تشارك فيه، لكن الاطراف العراقية المهمة لن تكون حاضرة، فقد احتكر فريق المالكي القضية، ولم يصنع اجواء مناسبة لحضور باقي الاطراف المحلية. وماذا في وسع خارج مهما بلغت قوته، ان يفعل لمساعدة داخل منقسم، برئيس حكومة يريد محاربة جميع شركائه، لأنهم لم يبايعوه على السمع والطاعة؟
اما الملاحظة الثانية، فهي ان العراق ليست لديه ازمة افكار، كي ننتظر من المشاركين الدوليين ان يأتوا الى بغداد، ويدلوا بنصيحة. بل المأزق هو عدم الانصات للافكار المتعقلة. فبدون مؤتمرات، كان خبراء مهمون عراقيون وأجانب، يصرخون ويشرحون ويقارنون بين وضع العراق وتجارب عديدة في الحرب على الارهاب، لكن سلطان بغداد ظل مصراً على "ركوب راسه". وهل هناك اكثر خبرة بحربنا من الجنرال ديفيد بترايوس، الذي ساعد المالكي بنحو لم يكن يحلم به الحاج؟ لقد كتب القائد السابق للجيش الاميركي، مقالات مطولة، ومذكرات، عن تجربته في العراق، ونجاحه في طرد تنظيم القاعدة بين ٢٠٠٧ و٢٠٠٩، قائلاً ان هزيمة المسلحين غير ممكنة بدون التصالح مع البيئة الاجتماعية في مناطق الحرب، ما يسميه بترايوس "كسب القلوب والعقول" اي صناعة ضمانات سياسية تجعل الاهالي واثقين من عدم تعرضهم للظلم، وبكونهم شركاء في المكاسب، كي لا تستفيد القاعدة من التذمر الواسع عند الناس، في تجنيد متعاونين.
لكن المالكي لم يكن مستعداً للانصات الى امريكي ولا هندي ولا عراقي، وكان يعمل عكس النصائح تماماً، ويرفض ان يناقش منهجه، لا في مجلس النواب، ولا مع شركائه، ولا مع مراكز القوى التقليدية في البلاد. ولذلك فإنه لم يقم بدعوة العالم للمؤتمر، كي ينصت للخبرات، بل لكي يحاول الايحاء للجمهور، بأنه صادق في مكافحة الارهاب، وأنه يفعل ما بوسعه.
المالكي لا يسمع نصيحة هدفها تخفيف حدة العنف، لانه يقوم عملياً باستغلال العنف القائم لتقوية سلطته، ولتنصيب نفسه سلطاناً على شعب خائف، قائلاً انه المنقذ الباطش الوحيد بين كل العراقيين.
وحين نتهم سياساته بأنها تفتقد للحكمة ولا تأخذ بالنصح، فإنه يسخر منا. لان المتشبث بالسلطة يحسب نفسه ذكياً، ويفسر السياسة بأنها توظيف واستغلال لكل ما يحصل، بهدف تحقيق مصلحة فريق السلطة. وهو اذ يتذاكى فإنه لا يريد ان يصدق التاريخ المتغير، ولا يريد ان يقيس الزمان السياسي المتحول، الذي لم يعد يسمح ببناء دكتاتوريات، ولا بإخضاع المجتمع المتعدد، للون سياسي واحد. ولا المالكي يريد ان يصدق ان "لحظة الهيمنة" ليست انتصاراً ستراتيجياً، بل هي مكسب مؤقت سيتبدد اذا لم ترافقه تدابير سياسية تصالحية مع تيار الزمن المختلف والسريع والديناميكي.
لن يستفيد العراق من حضور ٥٠ مركزاً بحثياً في مؤتمر الارهاب. بل ان ما سيحصل هو العكس. اذ ان الباحثين الغربيين حريصون على الحضور لرؤية "فأر التجارب العراقي" وكيف يتخبط مع نفسه، ويقع في شرك المال الوفير والسلاح الكثير والجيش الضخم، كما فعل طيلة العقود الماضية، فينتهي ببلد محطم وشعب محبط.
ان بلادنا تحتاج الى مؤتمر من نوع آخر، نستضيف فيه خبراء، ليناقشوا كيف امكن للسياسات الحمقاء للسلطة، ان تقدم الهدايا الكثيرة والاخطاء العظمى، التي استفادت منها داعش وأخواتها. والافضل ان ينعقد مؤتمر كهذا بعد انتخابات نيسان، ليدرس كيف انحسرت شعبية المالكي رغم كل القمار السياسي والامني الذي تورط به، في محاولة ترميم صورته المهزوزة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. ياسين عبد الحافظ

    اؤيد القول ان المؤتمر ليس سوى اجتماع صورى,فقد غاب السفير الاميركى والسورى والايرانى ,والتمثيل كان ضعيف بشكل عام اظافة الى غياب رئيس مجلس النواب ورؤساء الكتل العراقيين ,وهذا يدل ان التحضيرات ليست بمستوى الاستراتيجية العالميةللحرب على الارهاب,التى كنا نامله

  2. اسامة الزبيدي

    يا اخي الكريم ما لك تلف وتدور وانت المشهود لك بوطنيتك ... الموضوع برمته لا يتعدى كونه تنفيذ للاجندات الايرانية وفضت وراحت يا ابن عمي

  3. المكصوصي

    احسنت اخي سرمد

  4. حنا السكران

    ما الفرق بين اغراب يأتون ليقاتلوا في العراق دفاعا عما يرونه حقا وجهاد من وجهة نظرهم وبين عراقيين يذهبون برعاية الدولة الى سوريا ليدافعوا عن حق وجهاد كما يرونه , كيف تبحث عن طرد الارهاب من بلادك وانت تصدر مرتزقة الى بلاد الاخرين بغض النظر عن معتقداتهم, كيف

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram