اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فنّانو باريس وقنبلة بغداد

فنّانو باريس وقنبلة بغداد

نشر في: 14 مارس, 2014: 09:01 م

ليست مصادفة أن تكون باريس قبلة لكل محبي الإبداع والفن والجمال . باريس التي صارت حلماً لأغلب فناني العالم منذ ظهور الانطباعية ، حيث أصبحت المدينة الأهم والأكثر تأثيراً في حداثة الفن منذ بداية القرن العشرين . وهنا أود أن أقول شيئاً عن باريس ذلك الوقت حين اجتمع فيها أعظم فناني العالم ، ليرصعوا تاريخ الفن مثل نجوم ملونة بكل أنواع العبقريات وتطلق وقتها عليهم بما سميت بـ (مدرسة باريس ) . هؤلاء الفنانون الذين قدموا من أماكن مختلفة لأسباب فنية أو سياسية أو اجتماعية ، جاءوا وهم يحملون أحلامهم الفنية وطموحات أيامهم إلى باريس ، مدينة تولوز لوتريك وماتيس والانطباعيين . من غير باريس يستطيع أن يجمع في مكان واحد هؤلاء العباقرة الذين عبروا حدود بلدانهم ليدخلوا سحر ضوئها الذي لا يساويه شيء في ذلك الوقت . باريس التي كانت مركز الفن في العالم ، وقد تحولت إلى ما يشبه بيت كبير للتضامن مع الفنانين الذين جاءوا إليها . الوقت كان بعد الحرب العالمية الأولى والتكعيبية أخذت حدودها العالمية في الانتشار من خلال هذه المدينة التي كانت تضم في ذلك الوقت أجمل وأهم عشرين صالوناً للفن ، إضافة إلى مئة وثلاثين غاليري ، وهذه كانت بدورها تجذب وتجمع أعداداً كبيرة ومهمة لفنانين صنع مجدهم مبكراً كبابلو بيكاسو وغيره .
في بداية عشرينات القرن العشرين أطلق الناقد الفني أندريه وارنود ، تسمية مدرسة باريس على هذه المجموعة من الرسامين والنحاتين والكرافيكيين الأجانب ( غير الفرنسيين ) الذين دخلوا باريس وعملوا بأجواء بوهيمية وأنتجوا أعمالهم الفنية في مونتمارتر و مونتبارناس (بعد الحرب العالمية الثانية أخذت تسمية مدرسة باريس تطلق على كل الفنانين الذي عاشوا في باريس من الفرنسيين والأجانب ) . هكذا وبدون أي اتفاق مسبق جاء بيكاسو وكريس وغونزاليس من إسبانيا ومودلياني من إيطاليا وشاغال وسوتين من روسيا البيضاء وبرانكوسي من رومانيا ورسام المائيات يوليس باسين من بلغاريا وغيرهم الكثير ليصنعوا هذه الخلطة السحرية العجيبة التي كانت واحدة من أكبر وأهم المؤثرات التي حصلت في كل تاريخ الفن التشكيلي .
مدرسة باريس لم تنتم إلى أسلوب معين أو اتجاه محدد في الفن ولم يكن طموح فنانيها أن يرسموا أشياء متقاربة أو يقدموا أعمالهم بتقنية متشابهة . كانت أصولهم وجذورهم ورؤيتهم للفن مختلفة تماماً ، والشيء المهم الذي كان واضحاً بينهم والذي جمعهم هو باريس التي كانت بمثابة الخيط الملون الذي ربط قصة كفاحهم وسعيهم في أكتشاف فن القرن العشرين . وهنا لا يمكننا أن نقارن ذلك بالمدن التي ظهرت فيها اتجاهات أو أجواء فنية في ما بعد مثل مدرسة نيويوك ومدرسة لندن ، اللتين كانتا تضمان فنانين تجمعهم رؤية واحدة تقريباً وأسلوب متقارب وتقنية تنتقل من قماشة أحدهم إلى الآخر .
ومثلما اجتمع هؤلاء العباقرة ( من غير مصادفة ) في باريس ، فليس مصادفة أيضاً أن أفكر الآن بمدينة بغداد ، ليس لأنها لم تجذب الفنانين وصانعي الجمال من كل العالم ، بل لأنها شردت فانينها المميزين ومبدعيها الكبار أيضاً ، ووضعت ما تبقى منهم تحت الإقامة الجبرية لأنها قتلت فرصهم الحقيقية في البقاء على قيد الإبداع . لكن الأمور لم تنته عند ذلك أيضاً - وكأن ما حصل لفن وثقافة بغداد لم يكن كافياً لتدمير كل شيء - فنفس الباب الذي خرج منه الفنانون انفتح لدخول اللصوص الجدد ، لصوص الحياة والإبداع وما تبقى من جمال آفل لمدينة مثل مدينة السلام.
أتخيل الآن باريس حين كانت مثل مغناطيس جذب إليه كل ما هو جميل ولائق ، وأفكر ببغداد التي أصبحت مثل قنبلة انفجرت بقوة ، لترمي بشظايا مبدعيها إلى كل جانب من المعمورة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو اثير

    عندما لا نجد مثل السياسي الشبيبي والسعدون والجادرجي والمفكر أياد جمال الدين والوردي واللغوي النحوي مصطفى جواد والمهندس المخزومي وسوسة والقاص عبد الملك نوري والربيعي والشاعر الجواهري والسياب والبياتي والطبيب السامرائي والبستاني والبحراني والمسرحي يوسف العا

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram