على بعد خطوتين من أزمة مشابهة لأزمة الصواريخ الكوبية عام 1961 وعلى بعد ثلاث خطوات من حرب مع روسية غربية، بدأ الجيش الروسي مناورات عسكرية في عدة مناطق على الحدود مع أوكرانيا، للتحقق من كفاءات قواته البرية في القتال، في حين حذر وزير الخارجية الأميركي، من أن بلاده ومعها الاتحاد الأوروبي، يُحضّران رداً قاسياً على إجراء الاستفتاء في القرم حول الانضمام إلى روسيا، والواضح أن موسكو وواشنطن تتجاذبان الشأن الأوكراني باسم الحرية والأمن، للتغطية على مطامع بوتين الإمبراطورية وذرائع الغرب للتدخل المباشر.
منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية قام سيد الكرملين بخطوات تصعيدية، ترافقت مع تصريحات توفيقية، لكن السمة الرئيسة للموقف الروسي هي الارتجال والتسرع، في محاولة إعادة تشكيل خارطة نفوذ موسكو، فشلت سابقاً كل محاولاته احتواء الرغبة الأوكرانية الأوروبية في التقارب، كما فشلت أيضاً سياسة العصا والجزرة التي اتبعها لاحقاً، ومن ضمنها عرضه الذي قدمه لأوكرانيا، بقروض بقيمة 15 مليار دولار، وإمدادات غاز طبيعي بأسعار تفضيلية، غير أن الخطوة الأخطر في تصعيده، هي التعبير عن شكوكه في شرعية إعلان استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي، قبل أكثر من عشرين سنه.
يراهن بوتين اليوم على نتائج الاستفتاء المقرر غداً في القرم، بشأن الانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى الاتحاد الروسي، وقد سبقت خارجيته ذلك بترحيبها بإعلان برلمان القرم الاستقلال عن أوكرانيا، مستندا إلى سابقة كوسوفو لتبرير الموقف من وجهة النظر الدولية، ما سيؤدي بالتأكيد إلى خلق مشكلة وجودية لقومية التتار، وهي تشكل 12% من مجموع سكان شبه الجزيرة، حيث يتبدد أملهم بالبقاء تحت السيادة الأوكرانية، وهم العائدون إلى وطنهم الأصلي، بعد أن هجرهم ستالين منه عام 1944 إلى آسيا الوسطى، لتطهير المنطقة من غير المنتمين إلى العرق السلافي.
سيسفر استفتاء الغد دون شك عن ولادة جمهورية القرم المستقلة، وستقول إنها ديموقراطية وعلمانية ومتعددة الجنسيات، تتعهد الحفاظ على السلام والوفاق بين الإثنيات والأديان على أراضيها، وستكون الخطوة التالية التوجه إلى موسكو لتنضم إلى الاتحاد الروسي ، وهي خطوة وصفتها المستشارة الألمانية مسبقاً، بانها عملية ضم لتلك المنطقة، في حين لوحت باريس بفرض عقوبات جديدة على روسيا، إذا لم تتجاوب مع الاقتراحات الغربية لوقف التصعيد في أوكرانيا، وحذرت لندن أن روسيا ستعاني آثاراً اقتصادية وخيمة، إن لم تكف عن العبث باستقرار أوكرانيا.
يدرك بوتين أن جعجعة الغرب لن تنتج طحناً، فواشنطن بحاجة للحفاظ على استثماراتها في بلاده، التي تكتتب ب 120 مليار دولار في سندات الخزينة الأميركية، سيؤدي عرضها للبيع إلى انهيار النظام المالي الأميركي، ويدرك مدى حاجة أوروبا للغاز وللسوق الروسية، مثلما يدرك عزوف الغرب عن الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، وهو لا يمتلك القدرة على الإنفاق عليها، كما يدرك وهو الأهم امتلاكه مبررات للتدخل، مستندا إلى مطالبة سكان القرم بالانضمام إلى روسيا، وإلى مبرر حماية أمنها القومي، وهكذا يقف العالم اليوم أمام احتمالات متعددة لمآلات الأزمة الأوكرانية، منها قبول الغرب بتسوية الأزمة على أساس شروط موسكو ، أو الإذعان لتدخل روسيا عسكرياً لحماية مؤيديها في القرم والمناطق الشرقية، أو الاكتفاء بالتفرج على بوتين وهو يبسط سيطرته في حديقته الخلفية، تاركاً كل تحذيرات وتهديدات واشنطن، ومعها كل عواصم الغرب، تذهب إلى زاوية النسيان، التي تقبع فيها مواقفهم من أزمة جورجيا.
القرم بين روسيا وأوكرانيا
[post-views]
نشر في: 14 مارس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
Ali Alsaffar
يا لهمجية الانسان ! ما زال لم يدرك الحضارة وقيمها الانسانية النبيلة بعد ؛ وهي ان تتلاقى في وادي الفردوس العظيم -- الحب والتعاون الجميع مع الجميع من اجل حياة افضل -- بعيدا عن مؤشرات الدروشة والتخلف والاستهانة بحرية وكرامة الانسانية والاستعاضة بالارهاب و