في حال حصل الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية على "جائزة" البوكر بنسختها البريطانية ، عن روايته المثيرة للجدل "عبوات الرجل الخارق"، أو انضمت هذه الرواية إلى قائمة "خزعبلات " السياسة العراقية ، التي لم تنته بقصص عبعوب وفوزه الساحق على نيويورك، وتظاهرة منقبات المجتمع المدني التي قادتها النائبة سوزان السعد، والقرار التاريخي الذي أصدرته مفوضية الانتخابات باستقبال مشعان الجبوري بالأحضان وطرد مثال الآلوسي من جنتها، فالمؤكد أن علاقتنا بالحكايات الخرافية لن تعود كما كانت من قبل، ليس فقط لأننا سنتذكر قصص عالية نصيف وفوازير حنان الفتلاوي وألغاز محمود الحسن كل صباح ومساء ، بل لأن رواية عدنان الأسدي -كما روايات رفاق له في الدرب- ستصبح سمة حكومتنا الباسلة ومنهج ساستنا الأشاوس، ففي مشهد سيذكره التاريخ طويلا، يقف الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي صامدا امام صف من الخبراء الامنيين والقادة العسكريين من كل انحاء المعمورة ليقول باعتزاز وكبرياء : "لقد هزمنا الإرهاب، الآن الارهاب يديره رجل خارق، ومخبأ الإرهابيين عبارة عن علاقة ملابس بها اربعة براغي، اخر برغي به ألنكي، فتحناه فوجدنا حائط، فتحناه ثانية فوجدنا خلفه مخبأ، المخبأ وراءه معمل كبير، المعمل به رجل آلي الكتروني مبرمج يصنع العبوات دون ان تمسها أيدي بشرية".
سمعت ما قاله الوكيل الاقدم فبكيت على نفسي ، وعلى مستقبل الاصدقاء احمد سعداوي وانعام كجه جي وعلي بدر الذين ربما لن يستطيعوا الصمود امام رواية بحجم ملحمة الأسدي التي ذكرتني بالفزورة الشهيرة "حطبنا خبط حطبكم ، لو حطبكم خبط حطبنا، وين حطبنا وين حطبكم".
عندما يُعلن الاسدي اكتشاف سر العبوات الناسفة والأحزمة التي قتلت آلاف العراقيين، كان ينبغي أن يخرج الملايين من أبناء هذا الشعب إلى الساحات والشوارع فرحين بهذا الانجاز العظيم، فلماذا إذن تآمر الاعلام المغرض والعميل واخذ يسخر من رواية عدنان الاسدي؟ ولماذا لم يظهر حتى الآن خبراء "سيميائيون" يحللون معنى "الالنكي" و"العلاقة" السحرية التي تخفي وراءها كل هذا الدمار؟ ولماذا يبحث الإعلام عن زلات السياسيين والمسؤولين ولا يسلط الضوء على ابتكاراتهم العبقرية؟ الإجابة ببساطة: لأن الإعلام سيئ النية والسمعة يصطاد بالماء العكر" .
منذ عشر سنوات وساستنا البواسل يبهرون العالم برواياتهم العظيمة ، لكن رواية الاسدي هذه فاقت ماقبلها ومابعدها، فهي ذات حبكة واسلوب جديد، لكنها وهذه نصيحة مني اسديها مجانا للسيد الوكيل ، تحتاج الى مؤتمر صحفي ضخم يحضره القائد العام للقوات المسلحة ومعه قادة الاركان، واتمنى ان يتولى قاسم عطا مهمة الناطق الرسمي، ليقدموا للعالم هذا الكشف المثير الذي لم تستطع مراكز بحوث امريكية وغربية وروسية على الوصول الى مثل نتائجه المبهرة.
ربما سيتهمني البعض بأنني أسعى إلى السخرية من منجزات حكومتنا العظيمة، وأنني مصرّ على أن أجعل من كلماتي مدخلا للتأكيد على أن السياسيين والحكومة هما سبب انتشار فايروس النكتة عند العراقيين الذين لم يعرف عنهم حبهم للضحك والسخرية وأنني أترصد حركات وغمزات النواب لأسخر منهم..
أعتقد أننا مطالبون هذه الأيام أن نضحك من اللامعقول الذي يحكم حياتنا التي تحفل بمضحكات عديدة، والتي كان آخرها مسرحية الرجل الالي الذي يختبئ وراء الالنكي تساعده في ذلك علاقة ملابس صدئة.
ما تحدث به الأسدي يجب أن يناقشه البرلمان، فما نحن بحاجة إليه الآن هو أن نصرخ بأعلى الأصوات مطالبين بضرورة التخلص من ظاهرة المسؤول قليل الكفاءة والخبرة، وكل ما يشبهه في البرلمان والحكومة، المسألة بالنسبة لي ليست شخصية، لأنني لا أعرف السيد الوكيل الأقدم، ولكنني أؤمن بان الدولة التي يدريها "هواة" لا يمكن لها ان تسير في طريق المستقبل.
للأسف إن قلة الكفاءة والجهل الحكومي والسياسي تعيد العراق إلى عصور البدائية، حيث نجد من يتولون المسؤولية يصرون على إلغاء ابسط قواعد السياسة الحقة، وبدلا من ان يسعوا الى بناء دولة عصرية، نجدهم مصرين على ترسيخ شعار واحد في أذهان العراقيين "ما دمنا في السلطة… فسنظل نضحك عليكم".