TOP

جريدة المدى > عام > ثقافات الخوف.. الإرهاب والإرهاب المضاد على الساحة العالمية

ثقافات الخوف.. الإرهاب والإرهاب المضاد على الساحة العالمية

نشر في: 16 مارس, 2014: 09:01 م

يغطي كتاب ( ثقافات الخوف CULTURES OF FEAR )، و هو مجموعة مقالات لعدد من المؤلفين، و من تحرير أولي لينك و دينيال تانا سمث، مختلف أنواع الإرهاب و أشكاله و أساليبه على الصعيد العالمي. و الإرهاب، كما يعبّر عنه بيان موجز مأخوذ من كتيِّب للجيش الأميركي، وف

يغطي كتاب ( ثقافات الخوف CULTURES OF FEAR )، و هو مجموعة مقالات لعدد من المؤلفين، و من تحرير أولي لينك و دينيال تانا سمث، مختلف أنواع الإرهاب و أشكاله و أساليبه على الصعيد العالمي. و الإرهاب، كما يعبّر عنه بيان موجز مأخوذ من كتيِّب للجيش الأميركي، وفقاً للكاتب الأميركي نوم تشومسكي، هو الاستخدام المحسوب للعنف أو التهديد بالعنف لتحقيق أهداف أيديولوجية دينية أو سياسية من خلال التخويف، أو الإكراه، أو غرس الخوف. و كانت تلك، في العصر الحديث، الطريقة المفضلة لدى النازيين في التعامل مع الجماعات و البلدان المقاومة لسياساتهم التوسعية. لكن بعد الحرب العالمية الثانية " قام جيش الولايات المتحدة بدراسات موسعة عن عمليات الإرهاب المضاد النازية في أوروبا. و ينبغي أولاً أن أقول إن الولايات المتحدة تعرفت عليها و راحت تنفذها هي نفسها، في الغالب ضد نفس الأهداف، المقاومة السابقة "، كما جاء في مقال تشومسكي في هذا الكتاب.

و تشرح مقدمة الكتاب الدوافع لذلك بقولها إن وصول الإمبريالية الأميركية الإلزامي، باستحواذها على الأسواق، و ممارساتها المضادة للديمقراطية، و اقتصاداتها المركزة على الحرب، قد تمخّض عن عواقب بعيدة المدى، بالنسبة للحياة الاجتماعية العالمية. و تمثّل المشاهد الطبيعية المحروقة، و الأبدان الجريحة، و الحيوَات المدمرة علامات دالَّة على الغزوات الافتراسية للإمبريالية في القرن الحادي و العشرين. ففي النظام العالمي المعاصر، كما في الماضي، تولد السلطة السياسية عن طريق العنف : حروب أهلية، حروب بالوكالة، حروب عسكرية مساندة، حروب بين الدول، حروب عصابات، حروب ثورية، حروب عصيان، حروب حدودية " إنسانوية humanitarian ". لكن في هذه الفترة من العولمة، لا يمكن اعتبار حرب الإرهاب و المعاناة المدنية حدثين عشوائيين : فالإرهاب مرتبط بشكل حميم مع منطق النظام العالمي الرأسمالي الذي تستحوذ عليه مصالح الشركات الكبرى بضبط ورعاية عالمية أميركية. و قد غذّت أعمال المقاومة مناخاً من العنف المشرعَن من الدولة state-legitimated الذي لا سابقة له، مثل الحرب على الإرهاب، الذي لا يولِّد فقط ظروفاً اجتماعية جديدة للجهاد بل يتسبب في مجالات جديدة من الأمن و الدفاع التي أثّرت في العملية السياسية المحلية لكل أمة. 
و توجز مقدمة الكتاب مضمون بعض مقالاته، فتقول : في القسم 1 من الكتاب نعاين تأثيرات العنف المعسكَر من خلال أطياف ثقافة الخوف التي تؤثّر في مجتمعاتٍ عبر العالم. و تستكشف مقالات هذا القسم تكوين الخوف كواقع اجتماعي طارئ أو حقيقة سوسيولوجية نُشرت بصورة متزامنة كمعالجة قوية للتحكم بمجموعاتٍ سكانية على مستوى محلي، و قومي، و عالمي. و تقدم مقالة نوم تشومسكي ( من معهد ماسَشوستس للتكنولوجيا ) تقييماً نقدياً لتورطات الإرهاب العالمية، و للاتجاه القومي، و البناء الإمبراطوري بنظرة متّزنة إلى المعاني التي يتضمنها عنف الدولة الغربية ماضياً و حاضراً. فالأحداث العالمية المعاصرة لها سوابق و سياقات تاريخية، وكذلك أعمال الإرهاب. و يقوم تشومسكي، و هو يتابع بيان حالةٍ بعد حالة عن السياسات الأوروبية و حملات التدمير الشامل الأميركية في الكثير من آسيا، و أفريقيا، و أميركا الوسطى والجنوبية، برسم العواقب الطويلة الأمد للتوجه العسكري الغربي و حصائل المستقبل الممكنة. ويسلط إجمال تشومسكي العالمي هنا الضوء على آثار قاعدة سياسية محكمة : إن الإرهاب، كما يحدده المجتمع العالمي، قد مارسته تاريخياً الحكومات الغربية بما فيها الولايات المتحدة. و قد تسببت التدخلات العسكرية الغربية، و العمليات السرية، و المشاركة في الحروب بالوكالة، والولاءات الملفقة مع أنظمة الحكم القمعية في الموت و الدمار عبر العالم. و يجري طمس حركات المقاومة مع استجابة الولايات المتحدة لـ " حربها الجديدة على الإرهاب ". و وفقاً لتشومسكي، فإن دولة الإرهاب المعاصرة ممكَّنة بواسطة تصنيع الأبطال ــ المحاربين القوميين واللامبالاة تجاه المعاناة الإنسانية العالمية، و الكثير منها بين أفقر شعوب العالم التي لا تُعرف تواريخها أبداً أو أنها سرعان ما تُنسى. و ينتهي الإرهاب ، كما يستنتج تشومسكي، عن طريق عدم المشاركة في إرهاب الدولة.
و تنقل المقالة التالية لجوزيف ماسكو ( من جامعة شيكاغو ) انتباهنا إلى المكائد الداخلية للإمبراطورية. و بتركيزه على الولايات المتحدة، يبيّن ماسكو أن بالإمكان حشد أمة كاملة عاطفياً لدعم و تنفيذ الأجندة البرنامجية لـ " دولة أمن " عسكرية الطابع. و يؤكد ماسكو، و هو ينظر في الماضي، أن نظام إدارة العواطف كان يؤالَف بشكل استراتيجي خلال الحرب الباردة، حين كانت الثقافة البصرية للتدمير و الإبادة النووية تنشرها دولة الأمن في محاولة للتحكم بالرأي العام الأميركي من خلال إنتاج الخوف. فما العمل الثقافي القومي المنجَز عن طريق التداول الجماهيري لصور ولايات متحدة مقصوفة نووياً منذ عام 1945؟ 
كان المطلوب أن يخلق السياق السياسي للخوف سكاناً مطواعين يمكن استمالتهم إلى الطاعة عن طريق وعد الدولة المضلل لهم بالحماية، و الطعام، و الاستمرار في البقاء الجماعي بعد حرب كارثية. و مع أن مكننة machination الشعور السلبي ظهرت في الأول كميدان مركزي لبناء الأمة في العصر النووي، فإن ماسكو يتابع النشر البصري للخوف النووي على الفيلم السينمائي من مشروع الحرب الباردة المبكر للدفاع المدني من خلال " الحرب على الإرهاب ". و يبيّن ماسكو أن التعامل بالخوف يبقى أداةً مركزية لدى دولة الأمن القومية المعاصرة. و يُظهر بحثه أن القنبلة الذرية، كسلاح للتدمير الشامل، تلعب دوراً أولياً في الولايات المتحدة كوسيلة لعسكرة الحياة اليومية، و تبرير أجندة الحرب في نهاية الأمر. 
إن إدراكاتنا المعمقة لسياسة الخوف كأحد مكوّنات سلطة الدولة تجد تعزيزاً إضافياً لها لدى ديفيد ل. ألثيديا ( من جامعة أريزونا الرسمية )، الذي توضح مقالته تكوّن حالة انعدام الأمن في القرن الحادي و العشرين. و يبحث ألثيديا هنا في الكيفية التي تتأثر بها المشاعر العامة تجاه الإرهاب، و الجريمة، و التضحية، بوسائل الإعلام الجماهيري، خاصةً خلال فترة ما بعد الهجمات الإرهابية يوم 11 أيلول. و من دراسة مقارنة لتقارير جديدة حول الإرهاب في خمس صحف أميركية بارزة، يستنتج ألثيديا أن الإدراك المخيف للخطر و الإحساس المقلق بفشل الأمن القومي قد أصبحا المَعلمين المركزيين للحياة اليومية. و بتعقبه للتغيرات في الاستعمال السائد لمفاهيم مثل الخوف، الضحية، الرهبة، و الجريمة قبل و بعد 11 أيلول، يُظهر بحث ألثيديا التقنيات التي ضخّمت بها وسائل الإعلام ، بل كوَّنت، خطاباً قومياً بشأن الخوف. و حين يسكن مثل هذا الخطاب القومي، الذي يشوّش اللغة و التجربة، الخيال القومي و يُمسرَح في مسرحٍ عالمي، تُصبح هي ما يتضمنها من معانٍ واضحة.
أما المقالة الختامية لسلافو زيزيك ( من جامعة ليوبليانا )، فتعقّد التحليل الثقافي للخوف بتحويل انتباهنا إلى المسرح السياسي للفنتازيا الرأسمالية. و بالتركيز على الولايات المتحدة الأميركية، يصور زيزيك مجتمعاً مدفوعاً بالاستهلاك يرى و يجرب العالم الواقعي من خلال شاشة فنتازماتية fantasmatic. و هو يجادل بأنه " في مجتمع استهلاكوي رأسمالي متأخر "، كما في الولايات المتحدة، " تكتسب الحياة الاجتماعية الواقعية نفسها معالم زيفٍ ممسرَح staged" ( أنظر ص 70 )، و هو موطن ديزنوي* يغذّي إحساساً مضللاً بالأمن و الرضا الذاتي. و اعتماداً على مراجع ثقافية شعبية، يشير زيزيك إلى التزامن بين سياسة العالم الواقعي، و الخيال القومي، و عالم الحلم الخاص بوسائل الإعلام. و خلف التعابير الواضحة للِّيبرالية السياسية و الرأسمالية الاستهلاكية تكمن بصورة أعمق أشكالٌ مخفية من العنف النظامي الذي تكون الديمقراطيات الغربية المحبة للسلم افتراضاً متورطة به على نحوٍ يتعذّر تغييره ــ و هو نظام يتغذى سراً على العنف. و بالتالي فإن مشروع عالم حلم الرأسمالية يتّسم بعدم الاستقرار بشكل متأصل. و يعتمد استمراره على احتواء أو إفساد " الفنتازيا التظنّنية الأميركية " للتحرر المفاجئ من الوهم. فماذا يحدث، يسأل زيزيك، حين يُبعثَر هذا الخيال جزئياً و لو ربما لحظة واحدة فقط؟ رداً على عنف 11 أيلول، كانت استجابة الولايات المتحدة حرباً عالمية على الإرهاب. و يمكن القول إن الفضح العام النهائي لسر " إمبراطورية المخيمات "، و استخدام التعذيب و العنف الجنسي، و إمكانية التخلص من المواطنين ــ الرعايا المعنصَرين racialized، و تخلِّي الدولة عن حقوق الإنسان المدنية، قد زاد في زعزعة الشرنقة الوقائية الفنتازية. لكن كيف ستنتهي؟ أية مستقبلات محتملة يمكن تخيلها؟ هل ينبغي أن نستبق تراجعاً إلى حرَمٍ حُلمي محصَّن ينسى معاناة الآخرين أو قبولاً واقعياً بالضرورة وفقاً للمسؤولية العالمية؟
 عن: cultures of fear

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

رواية "لتمت يا حبيبي".. إثارة مشاعر القارئ وخلخلة مزاجه

مقالات ذات صلة

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي
عام

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

د. نادية هناويإنَّ الإبداع أمر عام لا يختص بأدب دون أدب ولا يكون لأمة بعينها دون غيرها كما لا يؤثر فيه تفوق مادي أو تقدم حضاري، بل الآداب تأخذ وتعطي ولا يهم إن كان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram