ما من صحيفة لندنية خلت من نبأ رحيله . ما من قناة تلفزيونية لم تفرد لسيرته مساحات ضافية في برامجها .
(توني بين ) السياسي المخضرم الذي غادر الحياة عن عمر ناهز الـ (٨٨) عاما ، قضاها بين كر وفر ، نوال وخيبة، يقول في واحدة من مقابلاته : لست نادما على شيء ..اقترفت بعض الاخطاء ، أعترف !
واحدة من أوضح توجهاته السياسية المبكرة —جدا- حين استنكر - وهو لما يتجاوز الرابعة من العمر - عام ١٩٢٩- منظر والده الفيسكونت ويدج وود بين . التي نشرتها الصحف آنذاك ، وهو ينحني في حضرة الملك جورج ويقبل يده ! … لم يتوكأ علي سمعة العائلة وحضورها السياسي والاجتماعي.. بل عمل جاهدا للفوز برئاسة اتحاد الطلبة في أكسفورد. وإن ظل يردد إن شهادته الحقيقية نالها من جامعة الحياة .
انتسب لحزب العمال مبكرا - عام١٩٤٣ ، ثم عمل مراسلا لإذاعة الـ بي بي سي،، وغدا أصغر النواب حين فاز بالمقعد النيابي عن مدينة بريستول .
حين خير بين احتفاظه باللقب الشرفي الأرستقراطي الموروث من الآب ( فيسكونت ) .وبين لقب النائب في مجلس العموم ــ إذ لا تجوز القوانين السائدة الاحتفاظ باللقبين معا . نبذ اللقب الأرستقراطي الذي يؤهله لمقعد في مجلس اللوردات . وتشبث بـ ( البرلماني ) !!
وصفه بعض المراقبين بأنه : آخر الرجال المحترمين . . يقنعك بالإنصات إليه حتى وأنت تخالفه الرأي … جاهر بضرورة رفع صورة الملكة من طوابع البريد.. ولم تغب عنه روح المداعبة حين تولى منصب مديرية شؤون البريد بدرجة وزير قائلا : علي الآن هجران رأيي السابق برفع الصورة من الطوابع. !
راقبته بإشفاق أم . وقد تهدج صوته وهو يعتلي منصة نصبت في حدائق الهايدبارك قبيل الحرب المشؤومة على العراق - حيث قدر المراقبون الحشد الحاضر بأكثر من مليون نسمة .يناهضون الحرب على العراق…… حين ترك المنصة لاهثا ، جاهدت للاقتراب منه مع جموع من اقترب . وصرخت بصوت منقوع بالدمع ،، وبإنجليزية ركيكة : — انا عراقية .. شكرا لك . ارجوك .. إفعل شيئا لئلا يقصفوا بلدي .. اجاب بكلمات مقتضبة سريعة . لم أستوعب معانيها -آنئذٍ-. لكني قرات— بالفصحى — إيماءاته البليغة وهو يبسط راحتي كفيه، ويشمر ساعديه . وكانه يقول : ليس الأمر بيدي ٫ فقرار الاجتياح غدا أمرا محسوما !!
لم يقعده حمل السنين على الكاهل الأهيف من التجوال وإلقاء المحاضرات ، وقد قدر لي أن احضر بعضها ، والتقط صورا معه .. أحتفظ بها كأيقونة غالية.
لاعزاء بفقدان رجل دعا للسلام وشجب الحرب .سوى التذكير : ببعض الساسة إذ يغادرون ، لا يتركون في مشهد الذاكرة سوى آثار أقدامهم المنتنة المتقرحة بالآثام والفضائح ، على وحول المشهد .. بينما يترك القلة منهم ذاك الشميم الحميم لبصمات أصابعهم الرهيفة على جبين التاريخ .
عاشق السياسة يطلقها دون رجعة
[post-views]
نشر في: 16 مارس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
سيدتي العراقية الفاضلة .. تبقين كعهدك وفية مخلصة ومحبة للعراق مهما أبتعدت عنه وعهدناك منذ أيام الدكتاتورية ملمحة للمساوات والحرية وكسر الجمود بأفكارك النيرة المنفتحة .. لا مثل الذين جاوؤنا من وراء الحدود بأفكارهم المغلقة المسمومه بألكراهيةوألثأر والحقد عل