TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > في عتاب الموتى ومظالم المقهورين..!

في عتاب الموتى ومظالم المقهورين..!

نشر في: 16 مارس, 2014: 09:01 م

ظل العراقي دائماً يبحث عن ذاته المستلبة، ويتطلع الى اللحظة التي يستطيع فيها تأكيد جوهره الخلاق، الذي يشهد به تاريخه البعيد والقريب. ليس صحيحاً، ما يُفترى عليه، ويلصق به من أوصاف تظهره، كشخصية عصابية سلبية، مفطور على العنف، مستكين لظلم الحاكم، وغير ذل

ظل العراقي دائماً يبحث عن ذاته المستلبة، ويتطلع الى اللحظة التي يستطيع فيها تأكيد جوهره الخلاق، الذي يشهد به تاريخه البعيد والقريب. ليس صحيحاً، ما يُفترى عليه، ويلصق به من أوصاف تظهره، كشخصية عصابية سلبية، مفطور على العنف، مستكين لظلم الحاكم، وغير ذلك من الأوصاف، التي تنزع عنه ما هو أصيلٌ في تكوينه الثوري الخلاق.
والعراقي كارهٌ لكل المظاهر التي تحيط به، مخالفة لإرادته وسويته، وتقدم العراق بصورة الدولة الفاشلة، وحكومته بوصفها حاضنة دافئة للمفاسد والتعديات والتخلف، مبددة خيراته ومغامرة بحياة العراقيين ومستقبلهم. ان العراقيين شديدو التمسك بنزوعهم نحو التفوق في كل حقل، ولا يجدون ما يتفاخرون به، غير الاقرار بواقع ليس فيه ما يرفع الرأس، غير اعتزازهم بماضيهم الناصع، ودفاعهم عن كرامتهم، وذودهم بقدر ما يتوفر لهم، عن إرادتهم على الاختيار.
ويظل السؤال الذي يتردد، حول ما آلت اليه الامور من انحسار، وضعة، وقلة حيلة، باباً لاتهام العراقيين بالتقاعس  في النهوض وانتزاع المبادرة وفي أخذ الامور بما تستحقه من جرأة، لتحويل مجرى الأحداث، ووضعه على مساراته المفضية الى ما يتطلع إليه من رفعة ومعافاة وتقدم إنساني وحضاري.
كان الجواهري الخالد، يرد على المشككين بتردده في ابداع جواهر تستنهض "الشعب": أليس في ديواني ما يكفي، ثم ماذا فعلتم انتم لأرفع همتكم..؟! وفي زمن التراجع والانحسار الذي اجتازته الحركة الوطنية، حاول البعض النيل من قامته بسبب قصيدة طارئة خارج السياق، فردّ عليهم يوسف سلمان يوسف قائد الشيوعيين: احذروا، فالجواهري صوت الرعد وصدى البرق، وتميمة الثائرين، فحين تهدر، تصنع من خيوط شعاعها نشيد إنشادكم..!
وفي عتاب أشبه بالمناجاة، أجابني بسخرية يوم اشتد الطغيان في زمن الطاغية، أتتصور انني انشد في قصائدي للملوك والرؤساء والصعاليك من امثالك!؟ انني اتشبه بهم، وامتطي مسمياتهم لاضع فيها قالب رؤياي الشعرية، وأحوك  منهم نسيج روائعي، دون ان اعنيهم، الا كوعاء..!
ونحن اليوم نلوم من..؟
فالأكثرية الصامتة مقهورة بمصائبها، لا تتنفس غير الهواء الذي تفسده الطبقة الحاكمة، وتجترع المعجزات لتصبر على عوزها وجوعها ومرضها، والموت العبثي اليومي الذي يطاردها، أنّى اتجهت، وكيفما سارت، فكل الطرق تؤدي لا محالة الى الموت او الفوضى.
اما نحن، معشر أهل الكلمة والخلق التخيّلي، رواد الثقافة والادب والفن، الشعراء والكتاب والنقاد، وكل الأوساط التي يقال إنها طليعة نهضة الشعوب والامم، فقد انطوت سرائرنا على ما أحاطت بنا من لوثات وانحيازات طائفية وعودة الى مرافئ الهويات الفرعية التي كانت يوماً ما، تخدش حياء كل مثقف ومبدعٍ ومحب للثقافة، بل تنال من قامة كل إنسان يعتز ويتباهى بهويته الوطنية، وبامتداد تشوفه الى الآفاق الانسانية الرحبة. يومذاك كان المثقف والمبدع يضيق باي اطار، لا يراعي حساسياته التي تتجاوز كل الفرعيات، وترفض الانسياق وراء سرابها..
اذن.. لماذا نبحث عن إخفاقنا، وخوفنا من اكتشاف نقطة الضعف السوداء في نفوسنا وضمائرنا، ونتوسل لاكتشافها كبدعة العاجز، في الشعب، المغلوب على امره!؟
نحن نردد كل يوم مثالب الطبقة الحاكمة، ونستعيذ منها بشياطيننا الكامنة، التي تراود المساحات القلقة في ضمائرنا المهمومة، والممسوسة بلوثات الآخرين، دون ان نفصح عنها، واذا اردنا مداراة حيائنا، اعتبرنا ضعفنا، مدرج قوة كامنة حين يحين الحين!
ولكن اي حين..؟
قال لي الصديق الذي كان يوماً، شيوعياً جسوراً، وانتهى الى طائفيٍ، يحتمي بهويته الفرعية، كجدار اخير لاستدراج العافية:
وماذا علي ان افعل، وهم يلاحقونني في الجامعة، ثم يطاردونني لانتزاع شقتي، لان العمارة "شيعية" وانا سني؟!
ياله من زمن وضيع، وكيف كنت طوال حياتك قبل ان تحتمي بهويتك الفرعية، وتتخلى عن قيمك الانسانية السامية..؟
ذهبت مع اصدقائك من الشيعة الذين يعاملون امثالي كغربان سوداء..!
على يسار صاحبي، بدت الكآبة على اصدقاء، لم أتعرف على هوياتهم الفرعية، قبل هذا اللقاء، كلهم رهطٌ من الذين بعثوا الامل في روح الامة، وتساوت أقدارهم في مواجهة العسف والتجبر والطغيان. التزم بعضهم الصمت، وتجاسر البعض بالقول: نحن ضحايا اشتباك تاريخي، يدفع الى مراوحة وضعتمونا فيها، لكثرة ما اصابنا من جور وظلم مستديم، وحولنا قومٌ يحاربوننا بهويتهم الفرعية، ويحولوننا الى أحزمة ناسفة، وسيارات مفخخة، وموت على الهوية..!
أهكذا كنا ندير حواراتنا، ونحن نواجه قهر الانظمة المستبدة، وهي لا تفرق بين هوياتنا الفرعية..؟
وتسألون عن الشعب، وتبحثون عن مبرر لتعليق انحيازاتكم الوضيعة على كتف شعب ارهقته النوائب، واضعف همته، تفكك قيم طليعته من حملة حبر الحقيقة وجمال الوعد بجنة الارض..؟
أين الجواهري:
أي طرطرا تطرطري..
نامي جياع الشعب نامي..
ليت السماء الارض ليت مدارها..
ثم أيكون للمتنبي مكان يصح فيه قوله:
ما لجرح بميت إيلام؟
وهو ما لا اتمنى ولا أريد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. أبو سعد

    سألو المسمار ماللذي ادخلك في الخشبه فقال لهم من كثر الدق على راسي فقالو له لو اخرجناك اجابهم لافائده سياتي من يفعلها ثانية ويدخلني الخشبه..لن نصل لابعد لنرتقي بالهويه الوطنيه العراقيه ولا يوجد شي اسمه الشعب العراقي في العمل السياسي لا في السابق ولا في الح

  2. د. اثير حداد

    رائعه جدا جدا

  3. مهند البياتي

    انه زمن الهويات القاتله، تمعن في المنطقه العربيه و الشرخ الديني و الطائفي الذي شق عموديا مجتمعات، العراق، لبنان،سوريا، فلسطين، مصر، ليبيا، تونس، موريتانيا، السودان، اليمن و اخيرا الجزائرما بين المالكيه و الاباظيه ، وبدايه التصدع في دول التعاون الخليجي، و

  4. ابو سجاد

    مسؤولية بناء الدولة تقع على عنصرين ان وجدوا وليس على الجماهير مباشرتا هما المثقفين بجميع اطيافهم ورجال القانون هؤلاء هم بناة الاوطان بغيابهم تتغيب الشعوب اين هؤلاء

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram