TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > مع الطبيب الذي عاش ربع قرن مع المجانين

مع الطبيب الذي عاش ربع قرن مع المجانين

نشر في: 4 أكتوبر, 2009: 05:28 م

سعيد الربيعيدخلت مستشفى الدكتور جاك عبودي (دار الرشيد) وفي جيبي قائمة بالاسئلة التي كان المفروض ان اوجهها له، ولكن ، كانت الاسئلة توجه من قبل الطبيب ليجيب عليها هونفسه، وقد اغناني ذلك عن مشقة توجيهها الان اسئلته واجوبته كانت وفق ما اريد واكثر..
علاج المرض بالمرضواخذت الكلمات تتدفق من فم الدكتور حتى عجز قلمي عن ملاحقة كلماته، وتكلم بصورة مسهبة عن تاريخ طبابة الامراض العقلية في العراق وفي خارج العراق ومنذ ان اوفد الى انكلترا لدراسة الطب عام 1932 فقال:لم يكن في ذلك الحين ما يصح ان يسمى بعلاج حقيقي للامراض العقلية في العالم سوى طريقة واحدة لعلاج مرض الشلل العام الجنوني الذي يحصل من اصابة الدماغ بمرض السفلس وكان هذا المرض يعالج بمرض اخر هو الملاريا فكان المريض يلقح بجراثيم الملاريا، فترتفع درجة حرارته فيشفى من مرضه الاصلي، ثم يعالج من مرض الملاريا بعد ذاك.اما بقية العلاجات فكانت تقتصر على حجز المريض المتهيج في غرفة صغيرة مبطنة بقماش لين يمنع عنه الاذى عندما يضرب الجدار او يوضع في حمام ساخن بصورة مستمرة، او يربط بما كان يسمى في ذلك الحين (بالجاكيت المستقيم)..الشيوخ وماء الشجر..ورجع الدكتور الى العراق عام 1934، وكان المرضى، تحت رحمة بعض الملالي كالشيخ التويجري، والشيخ كمر، الذين كانوا يعالجون مرضاهم بالضرب الشديد، كانوا يعتقدون بأن المرض قد حصل من دخول الجان في جسم المريض، وكانوا يستعملون كذلك بما كان يسمى (بماء الجبن) وهو عبارة عن جرعات كبيرة من الحليب الممزوج بنبات من فصيلة المسهلات، وهناك علاج آخر كان شائعا هو (دهن الشجر) فكان يحلق رأس المريض بالموسى، ويدهن رأسه به، على عقيدة ان الشجر بارد (الطبع) ويخفف من حرارة الرأس، كما هو المعلوم حتى الان ان الباذنجان طبعه حار يؤدي الى الاصابة بالامراض العقلية في موسم الباذنجان.تقدم الطب..وفي سنة 1935 اخذت المجلات الطبية في العالم تنشر مقالات عن علاجات جديدة منها العلاج بطريقة الصرع، الذي يتخلص بزرق المريض مادة تحدث عنده نوبة صرعية وسرعان ما تبين ان هذه الطريقة هي علاج ناجح في حالات الكآبة الحادة والمانيا والشيزوفرينيا.طرق اخرى..وفي سنة 1936 تم اكتشاف طريقة اخرى جديدة للمعالجة وذلك بطريقة سبات الانسولين وذلك بان يزرق المريض بمادة الانسولين التي تستعمل في معالجة داء السكر بكميات متزايدة، حتى تنفد جميع المواد السكرية من جسم المريض ويصبح في حالة سبات ثم يعطى مادة الجلوكوز في الوريد وبعد ان تتكرر هذه العملية 30 مرة تتحسن حالة المريض ويرجع اليه عقله.انقلاب في طرق العلاج..وبعد ظهور هذه العلاجات الجديدة، فكر الدكتور جاك في السفر الى انكلترا، للوقوف على هذه العلاجات لكي يتم له تطبيقها في العراق، حيث لم يكن من الصحيح تطبيق هذه العلاجات من قراءته للصحف الطبية، الا ان مجيء البروفسور (هوف) الى العراق سنة 1938 وفر عليه مشقة السفر الى هناك فاخذ يطبق معه العلاج الجديد فحصل انقلاب في العلاج بالعراق.ثم اخذت طرق العلاج بعد ذلك بالتطور والتقدم ففكر الدكتور في انشاء دار للمعالجة وفعلا تم فتحها سنة 1943، وقد عولج فيها ما ينوف على ثلاثة الاف مريض.بتر الياف المخ..وفي سنة 1964 اجرى طبيب عراقي هو الدكتور نجيب اليعقوبي اول عملية جراحية في المخ جرت في العراق، وفي الشرق الاوسط كله، وذلك بان بتر الالياف العصبية الموصلة مراكز العواطف الى قشرة المخ فينقطع تأثير تلك العواطف الهائجة عن المخ والعقل وما زال الدكتور اليعقوبي يجري هذه العملية للمرضى الذين يستعصي علاجهم.وقد اكشتفت اخيرا ادوية مهدئة وانتشر استعمالها في الولايات المتحدة انتشارا هائلا، فاخذ استعمالها لايقل عن استعمال الاسبرين.جمعية جديدة..ثم انتقل الدكتور جاك عبودي بالحديث الى ناحية اخرى لم يتطرق اليها احد من الاطباء من قبل، فيقول الدكتور، ان في العراق جمعيات كثيرة لمعالجة الامراض الجسمية والاجتماعية ويتساءل الدكتور لم لا نؤسس في العراق جمعية لمكافحة الامراض العقلية؟ كما هو الحال في اقطار العالم الاخرى؟ فقد اعترف القانون العراقي مؤخرا باهمية الامراض العقلية في كثير من الجرائم، وقامت السلطات المسؤولة بتعيين طبيب للامراض العقلية عضوا في محكمة الاحداث ولكن المسؤولين لم يعملوا جديا على مكافحة الامراض النفسية والافكار الشاذة لمعالجتها قبل استفحالها حيث تسوق هذه الحالات المصابين بها الى ارتكاب الجرائم او الاصابة بالامراض العقلية عند بلوغهم سن الرشد والمراهقة.التظاهر بالجنون..والى هنا، انتهت اسئلة الدكتور جاك التي وجهها هو الى نفسه واجاب عنها، فبدأت انا بتوجيه الاسئلة فقلت له:كيف تفرقون بين المجنون الحقيقي وبين الذي يتظاهر بالجنون: فابتسم الدكتور ابتسامة عريضة واجاب:يتظاهر البعض عادة بالجنون عندما توجه اليهم تهمة ارتكاب جريمة القتل، فان المصاب بالامراض العقلية يكون غير مسؤول عن جريمته. وحيث ان الذي يتظاهر بالجنون يكون عادة غير مطلع على انواع الامراض العقلية فيمثل ادوارا من مختلف الامراض اي انه يأخذ (من كل جدر كباية) كما انه يبالغ في تمثيل اعراض الامراض واحيانا يتصنع البلادة بانه لايعرف ابسط الامور فمثلا اذا سئلته

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram