بفضل الاحتلال البريطاني للعراق استخدمت السكك الحديد كوسيلة للنقل ، وكان الهدفمنها نقل النفط الخام، المستخرج من الشركات الاجنبية، ولم يكن الغرض خدمة مصالح الشعب العراقي، (وقاطرة ترمي الفضا بدخانها- وتملأ صدر الأرض في سيرها رُعبا) للشاعر الراحل معروف عبد الغني الرصافي، عبرت عن الاعجاب الشعبي بدخول وسيلة نقل جديدة الى البلاد في زمن شيوع استخدام البعران والخيل والحمير بالتنقل بين مدينة واخرى بسقف زمني يمتد عدة ايام وسط احتمال تعرض قوافل المسافرين لمخاطر الطريق، وصولات "السلابة" المسلحين الخارجين عن القانون ، قبل ان تعرف البلاد الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.
استجابة العراقيين لوسائل النقل الحديثة ، دفعتهم الى اطلاق اسماء عديدة على القطار، ومنها الريل المحرف عن المفردة الانكليزية ، والشمندفر والسريع في اشارة الى القطار السريع ، وقد وردت في اغنية ريفية " ذبني السريع بليل " اما "الكولي" ومنهم من اطلق هذه المفردة على احد ابنائه، فتعني الشخص المكلف بوضع الفحم في مرجل الماكنة التيتعمل بقوة البخار ، مهنة الكولي صعبة وتتطب مواصفات خاصة لابد ان تتوفر بالشخص المكلف باداء المهمة، ومنها القوة العضلية والنشاط والحيوية ، وتحمل انتقادات الاخرين وتعليقاتهم ، والمثل الشعبي " اسود مصخم مثل وجه الكولي " والأمثال الشعبية سخرت من بطء القطار ، بالقول "طبت الجطلة " في اشارة الى وصول قاطرة استغرق زمن ذهابها الى البصرة والعودة منها اكثر من اسبوع.
سخرية العراقيين من "الجطلة " يمكن استخدامها في التعبير عن الاستياء والتذمرالشعبي من الاوضاع الامنية والسياسية ، المرحومة " الجطلة" ومنذ زمن بعيد اصبحتخارج الخدمة ، لكنها وبقدر ما خلفت من انطباع سلبي في اذهان من شاهدها ، اعادت حضورها في المشهد العراقي عندما تعلن الحكومة انها بصدد اعتماد خطة تنمية شاملة، توفر للعراقيين فرص العيش الرغيد في ظل القيادة الحكيمة ، وستكون بغداد افضل من دبي بالعمران وانشاء ابراج السكن على ضفاف نهر دجلة باستثناء الضفة المقابلة للمنطقة الخضراء لضرورات تتعلق بالحفاظ على الامن القومي .
اعتاد قادة الاحزاب والقوى ورؤساء بعض الكتل النيابية المشاركة في الحكومة على وصف العملية السياسية بالعرجاء ، لان بعضهم فشل في الحصول على منصب، ينسجم مع حجم فخامته وقاعدته الشعبية ، ومن شغل المنصب بصفقات التوافق والمحاصصة ،اتهم الطرف الاخر بوضع العصي في عجلة العملية السياسية فعرقل سيرها في الوصول الى اهدافها بتوطيد الديمقراطية بنسختها العراقية ، وترسيخ اعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة ، وعلى صوت الايقاع الصاخب لتبادل الاتهامات بين الفرقاء ، ركبت مشاريع قوانين تنظيم الحياة السياسية قطار "الجطلة " فيما تراجعت فرص تعديل الدستور، ورحلت من دورة تشريعية سابقة الى اخرى لاحقة ، وكانهأ تتنظر خدمات "الكولي"ليضعالفحم في مرجل الماكنة ، ليضاعف سرعتها، لتصل الى محطتها الاخيرة ويتم الاعلان عن زف بشرى الانجاز الكبير في يوم "طبت الجطلة".